وسط الانهيار والفوضى، يرتفع الصراخ والسجال، سراً وعلناً، بشأن التخلّف عن دفع سندات اليوروبوندز أو دفعها، والتي تستحق في 9 آذار المقبل. وكعادة اللبنانيين، تُترك القرارات، إن وجدت، إلى ...ما بعد وقوع الاستحقاقات. لكنّ هذا ليس ما يجري، على الأقل هذه المرّة، فيما خصّ قرار التخلّف عن دفع السندات. فالجلسة «العاصفة» التي عُقدت في القصر الجمهوري الأسبوع الماضي بحضور الرؤساء الثلاثة وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف، ولو أنها تركت انطباعاً عاماً عن عدم وصولها إلى قرار حاسم، إلّا أنها كانت محطة مفصلية باتخاذ قرار ضمني بعدم الدفع، بين الرؤساء الثلاثة والمرجعيات السياسية الأخرى، وترك معالجة الأمور التقنية لجلسات مع ممثلي صندوق الدولي، الذين من المفترض أن يحضروا إلى لبنان الأسبوع المقبل.وعلى ما تؤكّد معلومات «الأخبار»، فإن استشارة صندوق النقد الدولي هدفها المساعدة على تجاوز مرحلة ما بعد التخلّف عن دفع السندات والتفاوض مع الدائنين. ولن يكون تركيز عملها على خيار الدفع، طالما أن الخيار وقع على تأمين القمح والدواء والوقود قبل أي شيء آخر لحفظ أمن اللبنانيين، لا سّيما أن دفعات يوروبوندز أخرى تستحق في نيسان وحزيران المقبلين.
ويمكن القول إن حملة التهويل التي تقودها شخصيات ووسائل إعلام مرتبطة بالقطاع المصرفي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، العدو الأول لقرار عدم الدفع، وتخويف اللبنانيين من مخاطر خطوة كهذه فعلتها أكثر من مئة دولة قبل لبنان، سببها شعور المصرفيين الجشعين بوجود حسم في هذا التوّجه لدى الرؤساء الثلاثة، بينما هم يعوّلون على دفع الدولة للسندات لتحقيق أرباح طائلة، يقدّرها المصرف المركزي بـ80 مليون دولار، بينما يقدّرها مرجع رئاسي بنحو 200 مليون دولار أميركي.
وتركز حملة التهويل الإعلامي، التي ظهرت في أوضح وجوهها خلال برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الإعلامي مارسيل غانم على قناة أم. تي. في. الأسبوع الماضي، على الإيحاء بأن الجهات الدائنة تستطيع في حال التخلف عن الدفع حجز طائرات ميدل إيست أو وضع اليد على أملاك للبنان في الخارج أو مباني سفارات يملكها لبنان أو حسابات مصرفية للسفارات. وهذا الأمر تصفه مصادر سياسية بارزة بأنه أكاذيب. وتؤكّد المصادر أن تلك الجهات المصرفية، وبعد أن قامت بالاتفاق ضمناً مع دائنين أجانب لشراء سنداتها «شكليّاً»، تحاول الضغط فقط لضمان حصصها ورفع أسعار السندات التي انخفض سعرها إلى 40 سنتاً في المرحلة الأخيرة (دفع الديون يعني تسديد 100 دولار لكل سند يبلغ ثمنه اليوم 40 دولاراً!).
وتقول المصادر إن شركة ميدل إيست هي شركة خاصة، لا يمكن الحجز عليها بأي شكل من الأشكال بسبب ديون على الدولة اللبنانية، وهناك سابقة حصلت قبل عشر سنوات، بعد قيام شركة «هوختيف» الألمانية، من جرّاء نزاع مع مجلس الإنماء والإعمار، بالاستحصال على قرار بالحجز على طائرة ميدل إيست في مطار اسطنبول. وعندها انقضى الأمر خلال ساعات قليلة بعد إثبات ملكية الشركة.
وبدا لافتاً أمس ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز، حول ما دار في عشاء نظّمه بنك أوف أميركا في لندن الشهر الماضي، بحضور عدد من حاملي السندات اللبنانية. وبحسب الصحيفة، قام أحد حاملي السندات، بيمكو ياكوف آرنوبولين، بتوبيخ مؤسسة آشمور التي يملكها المليونير مارك كومبز، ومركزها في العاصمة البريطانية وتملك سندات بحوالى مليار دولار (400 مليون دولار من قيمة استحقاق آذار)، بسبب ما «سماه ضغوط المؤسسة على بيروت لدفع السندات في ظلّ واقع البلاد الصعب». ووجّه آرنوبولين انتقاداته إلى ممثلة الشركة لاريسّا بابوشكين، معتبراً أن المؤسسة لا تتصرف بمسؤولية بالضغط على حكومة لبنان»، وأن «المؤسسة تحاول أن تسوّق وتدعم موقفها وتدفع البلد إلى الإفلاس». ولم يكتفِ آرنوبولين بذلك، بل اتّهم المؤسسة بابتزاز باقي حاملي السندات، الذين لا يمانعون أن يقوم لبنان بعدم الدفع والتفاوض معهم، لدفعهم إلى شراء حصصها مقابل توقّفها عن ممارسة الضغوط وتعقيد الوضع.
لا يمكن الحجز على أي من طائرات ميدل إيست بسبب ديون على الدولة


ولا توصف «آشمور»، وهي شركة استثمار في الأسواق المالية والسندات، بـ«الصندوق الشرس» أو كما يعرف به هذا النوع من الصناديق بـ«آكلة الجيف». وهذا ما أثار استغراب المتابعين للأسواق المالية من التصرف العدائي لـ«آشمور»، متوقّعين أن يكون هذا الضغط سببه علاقة المؤسسة الوثيقة بحاكم المصرف المركزي والمصرفي أنطون الصحناوي.
وفي ظلّ هذه الأجواء، انتقل الصراع بين التيار الوطني الحرّ وسلامة من خلف الكواليس وبعض الانتقادات الإعلامية، إلى الشارع، مع إعلان التيار الوطني الحرّ التظاهر رفضاً لسياسات الحاكم يوم الخميس المقبل، في خطوة تصعيدية تزيد الضغط على سلامة الذي لا يزال يتمسك بسياساته السابقة. وبرزت الإشارة الأولى في قرار انتقال الصراع من الخفاء خلال كلمة النائب جبران باسيل في المجلس النيابي، وحديثه عن مصرف لبنان، وقوله إنه يجب أن يكون في خدمة الدولة وليس العكس، ثمّ تبعها الموقف أمس، بردّ ناري على قرار شركة ميدل إيست بحصر قبض بطاقات السفر بالدولار الأميركي، قبل التراجع عن القرار، مغرّداً: «من زمان وأنا بطالب بخفض سعر بطاقات سفر MEA من دون تجاوب. هيدا اسمو احتكار، اليوم بعد حصر قبول الدفع بالدولار هيدا اسمو مخالفة للقوانين، وبطالب التيار إنو يقدّم إخبار ويتحرك»، مضيفاً: «بذكّر إنو ما أخذنا جواب من الحاكم (حاكم المصرف المركزي) عن التحويلات المالية للخارج».