كان يُفترض أن يكون ملف عقد أوجيرو قد أُقفل بمجرد طلب المدعي العام لدى ديوان المحاسبة فوزي خميس تجميد إجراءات تنفيذه، بانتظار نتائج التحقيق القضائي الذي بدأه. فخميس، بعدما قرّر فتح التحقيق، عمد، في 14/1/2020، إلى مراسلة وزيرَي الاتصالات والمالية، إضافة إلى المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات (تبلغوا الرسالة في 16/1/2020)، طالباً منهم التريث في الإجراءات الآيلة إلى وضع مشروع عقد الصيانة مع هيئة أوجيرو لعام 2019 موضع التنفيذ إلى حين صدور التحقيقات، حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية. بالفعل، أوقف وزير المالية السابق علي حسن خليل، في 17/1/2020، «صرف أي مبالغ مالية مرتبطة بمشروع العقد إلى حين صدور نتيجة التحقيقات». لكن لم يصدر عن وزير الاتصالات أي تعليق حينها.وفيما كان ذلك كافياً للتأكد أن العقد لم يُوقّع، انتظر شقير حتى 21/1/2020، أي إلى يوم إعلان الحكومة الجديدة، ليراسل المدعي العام لدى الديوان ويعلمه، «آسفاً»، أنه «جرى توقيع العقد والمباشرة بالإجراءات ذات الصلة به قبل ورود كتابكم إلى الوزارة». في تلك الرسالة، يشير شقير، إلى أن التوقيع تمّ في 31/12/2019، تأسيساً على موافقة الديوان في اليوم نفسه (في اليوم نفسه رفضت الغرفة الناظرة بالملف طلب إعادة النظر الذي قدمه رئيس الديوان وأكّدت على قرارها). كما أشار شقير إلى أنه «في اليوم نفسه أحيل العقد إلى مراقب عقد النفقات الذي عمد إلى التأشير عليه في اليوم نفسه»! ولمعرفة ماذا يعني حشر كل هذه الإجراءات في يوم واحد، تكفي الإشارة إلى أن كتاب شقير إلى خميس احتاج إلى يومين ليصل إلى الديوان (أي بعد يومين من تحوّل شقير إلى وزير سابق).
هذه الوقائع جميعها، أجّل وزير الاتصالات السابق إعلام الديوان بها حتى اليوم الأخير من ولايته، بالرغم من أن كتاب خميس بوقف التنفيذ لم يكن الكتاب الأول، إذ سبق أن راسل الوزارة في 3/1/2020، طالباً منها أيضاً التريّث في تنفيذ العقد إلى حين صدور قرار ديوان المحاسبة، بعد طلب بدوره إعادة النظر به لتضمنه مخالفات عديدة. وبالتالي، فإذا كان شقير قد وقّع العقد فعلاً في اليوم الأخير من العام الماضي، كان الأجدى به الردّ على الكتاب الأول لخميس، وإعلامه بحقيقة التوقيع، لكنه لم يفعل، كما لم يفعل بعد الطلب الثاني، ولم يفعل بعد إعلان وزير المالية وقف إجراءات الدفع، بل فضّل انتظار اليوم الأخير من ولايته!
هل هذا يعني أن الأموال صُرفت لأوجيرو؟ بحسب مصادر معنية، فإن الهيئة لم تحصل على المال بعد. لكن مع ذلك، وتأكيداً على قراره، راسل خميس وزير الاتصالات الجديد طلال حواط، إضافة إلى رئيس أوجيرو عماد كريدية (يزاول مهامه بحكم مبدأ تسيير المرفق العام بعدما انتهت ولايته في 27/1/2020)، في 28/1/2020، مكرراً التذكير بطلبه التريث في الإجراءات الآيلة إلى وضع العقد موضع التنفيذ ووقف صرف أية مبالغ مالية متعلقة بالملف إلى حين صدور نتيجة التحقيقات.
موافقة الديوان وإحالة القرار وتوقيع الوزير وتأشيرة المراقب في يوم واحد


في كتابه عاد خميس إلى أصل المشكلة، موضحاً أنه في حال ثبوت تنفيذ أوجيرو خدمات وأعمالاً اقتضتها ضرورة تسيير المرفق العام، فإنه يمكن تطبيقاً لمبدأ عدم إثراء الإدارة على حساب الغير توقيع عقود مصالحة في هذا الخصوص وعرضها على هيئة التشريع والاستشارات ومن بعدها على الرقابة المسبقة للديوان.
عقد المصالحة هو الطريق الطبيعي لعقد نُفّذ بأكمله قبل حصوله على الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة، يقول مصدر قانوني. لكن، مع ذلك، أصرت الغرفة الناظرة في الملف على قرارها إعطاء الموافقة المسبقة مع مفعول رجعي، خلافاً لموقف كلّ من رئيس الديوان والمدعي العام لدى الديوان.
وهذا الإصرار سيكون اليوم موضع نقاش في لجنة الاتصالات النيابية، لتبيان أسبابه ومبرّراته. ولذلك، دعت اللجنة المدير العام لأوجيرو عماد كريدية، إضافة إلى رئيس الديوان محمد بدران والمدعي العام فوزي خميس ورئيسة الغرفة المعنية القاضية زينب حمود، للمشاركة في الاجتماع.
في اللجنة سيتركز النقاش على مسار العقد منذ أرسلته وزارة الاتصالات إلى الديوان، في 26/11/2019، لإجراء الرقابة المسبقة عليه. تردد حينها أن مراقب عقد النفقات في الوزارة اعتبر أنه لا يجوز إعطاء العقد الموافقة المسبقة بمفعول رجعي (لا يُوقع العقد إلا بعد موافقة الديوان). لكن هل صحيح أن المراقب في الديوان أكد وجود مخالفات كثيرة تحول دون الموافقة عليه؟ وهل صحيح أن عضوَي الغرفة سنا كروم وعبدالله القتات أيّدا تقرير المراقب؟ وهل صحيح أن رئيسة الغرفة زينب حمّود عقدت جلسة استيضاحية مع كل من عماد كريدية وباسل الأيوبي ومدير مديرية الإنشاء والتجهيز ناجي أندراوس، في 6/12/2019، في غياب عضوَي الغرفة كروم والقتات؟

كتاب شقير وصل إلى ديوان المحاسبة بعد يومين من تحوّله إلى وزير سابق


يقول شقير إنه في ضوء الشروحات التي قُدمت في الجلسة لناحية ماهية وطبيعة الاعتمادات المرصدة والتخفيضات التي طرأت عليها والتأخر بإقرار الموازنة وتأميناً للمصلحة العامة وحسن سير المرفق العام تمّت الموافقة على العقد من قبل الغرفة المختصّة في 19/12/2019 (القرار الأول). لكن قبل الموافقة، هل صحيح أن أحد المستشارين اعتبر أن الأسئلة التي طُرحت في الجلسة مع ممثلي الإدارة لا علاقة لها بالمخالفات التي أثيرت في تقرير المراقب؟ وإذا كان رفض العقد كان التوجّه الأوّلي للقاضيين العضوين في الغرفة، فما الذي جعلهما يعودان ويوقّعان قرار الموافقة عليه؟



ديوان المحاسبة ينبش ملفاً لعبد المنعم يوسف
بعد الطلب الذي قدّمه النائب جهاد الصمد إلى النيابة العامة في ديوان المحاسبة لإعادة النظر في قرار للغرفة السابعة بالديوان بالموافقة على عقد لهيئة «أوجيرو»، دعا الصمد في بيان قبل أيام إلى كف يد رئيسة الغرفة القاضية زينب حمود عن ملفات الاتصالات. واتّهمها بالسعي إلى فتح ملفات تتعلق بالمدير العام السابق لـ«أوجيرو» عبد المنعم يوسف «لاعتقادها بأنه هو من يقود الحملة ضدها على خلفية ملف العقود مع هيئة أوجيرو».


وكانت الغرفة قد أصدرت قراراً مؤقتاً في 9/1/2020، صدّقه رئيس الديوان محمد بدران في 23 منه، يتعلق بعقد اتفاق بالتراضي لإنشاء بوابات دولية للإنترنت (IP gatways) من شركة «سيسكو» (تم تركيبها) ونظام MPLS (شبكة تجريبية متعددة البروتوكولات) وشراء التجهيزات المطلوبة من دون تركيبها وتشغيلها، بل جرى وضعها في المستودعات (ضمن إطار برنامج UNDP الذي هدف إلى المساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة من عدوان تموز).
اللافت أن تاريخ هذا العقد يعود إلى عام 2007، ما يعني سقوطه بمرور الزمن، بحسب محامي أحد الذين أبلغوا بشمولهم بالدعوى. مع ذلك، فإن مضمون القرار يشير إلى أن قيمة العقد مع «سيسكو» بلغت 6 ملايين دولار، وقد وافق عليه مجلس الإدارة في 18/10/2007 ثم صادق عليه وزير الاتصالات آنذاك مروان حمادة. بحسب قرار الديوان، فإن «أوجيرو» عادت ووقّعت عقداً، في عام 2010، لتركيب المعدات، بقيمة 7.7 ملايين دولار.
وأوضحت الغرفة أنه بنتيجة التدقيق المحلي في مستودعات وزارة الاتصالات وأوجيرو، اتخذت في 27/2/2018 قراراً قضى بتأسيس ملف ضمن إطار الرقابة القضائية على الموظفين. واعتبرت أن يوسف لم يتخذ الإجراءات اللازمة للاستفادة من التجهيزات التي استدعت إنفاق مبالغ ضخمة من المال العام، متهمة إياه بالإهمال والتقصير وإلحاق الضرر بالمال العام. وطلبت منه تقديم دفاعه عما نسب إليه خلال مدة 30 يوماً من تاريخ التبليغ.
كذلك شمل القرار كل من كان على علاقة بالعقد، وهم عضوا مجلس إدارة الهيئة ألان باسيل وغسان ضاهر، ومدير المعلوماتية توفيق شبارو ومدير إدارة المواد عماد أبو راشد ورئيس لجنة التسلّم كابي سمرة وعضوا اللجنة خالد دسوقي وزاهر مصلح (متوفى)، وطلبت منهم بيان دفاعهم عمّا نُسب إليهم.


تجمّع أمام المجلس ضد حمّود
دعت مجموعات من الانتفاضة إلى التجمّع أمام المجلس النيابي عند العاشرة من صباح اليوم للاعتراض على حضور رئيسة الغرفة السابعة في ديوان المحاسبة القاضية زينب حمود لجلسة لجنة الاتصالات. ويعود سبب الاعتراض إلى «إصرار حمود على قرارها تغطية عقد أوجيرو مع وزارة الاتصالات، بالرغم من مخالفته للقوانين». واعتبر الداعون إلى التجمع أن «القاضية يجب إحالتها إلى التفتيش القضائي ومحاسبتها بدل الاجتماع بها».