لا تزال الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا)، الموقّعة على الاتفاق النووي الإيراني، تلتزم الضغوط الأميركية عليها بضرورة التصعيد بوجه طهران. ضغوطٌ بدأت باعتبار الترويكا «الخطوة الخامسة» من مسار تخفيف إيران التزاماتها النووية انتهاكاً للاتفاق، قابلته بتفعيل «آلية فض النزاع» التي تفضي في حال السير بها إلى إعادة عقوبات مجلس الأمن على إيران. القرار الأوروبي وضع الأطراف أمام مشهد جديد، بات فيه الأوروبيون أكثر صراحة في خدمة استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الجمهورية الإسلامية: «حملة الضغوط القصوى».طهران، التي تتوزّع فيها مواقف المسؤولين بين المشكّك في نيّات الأوروبيين من الأساس، ومُحمّل إياهم مسؤولية عدم إنقاذ الاتفاق منذ المماطلة في تعويض الخروج الأميركي منه عبر إجراءات تحقيق مصالحه، وأولاها آلية التبادل المالي، باتت اليوم تجمع على أن أوروبا غير قادرة على حماية الصفقة النووية بعد اختيارها مصالحها مع الولايات المتحدة على حساب الاتفاق الدولي. إلا أن خطاب المرشد علي خامنئي، الأخير، على رغم لهجته الغاضبة، تضمّن في طياته إشارة إلى أن باب الحوار مع الأوروبيين لم يغلق تماماً، حين لم يرفض التفاوض مع أيّ أحد «عدا الأميركيين»، بشرط أن يكون التفاوض «من موقع القوة». إلا أن فرص هذا الحوار أو التزام التهدئة، بالنسبة إلى الإيرانيين، ستبقى فقط لعدم مساعدة واشنطن على تحقيق هدف توسيع حصار طهران ومنحه ذرائع مجانية، وكذلك للرهان على أن الخطوة الأوروبية خلفيتها الانحناء أمام عاصفة الضغوط الأميركية ليس إلا، والتي شملت تهديدات أبرزها فرض رسوم على سوق السيارات، ما يعني أن العرض الإيراني، الذي يردّده الرئيس حسن روحاني في كلّ مناسبة، لا يزال قائماً: حقّقوا مصالحنا في الاتفاق نعود عن الخطوات الخمس.
جونسون وماكرون اتفقا على «الحاجة إلى وضع إطار عمل طويل الأجل»


أمس، أتت المواقف الإيرانية لتركّز على ضرورة عدم تمادي الإعلان الأوروبي في تعجيل مسعى إعادة العقوبات الدولية، إذ خرج التهديد من البرلمان الإيراني بأن التصعيد الأوروبي قد يقابَل بإعادة النظر في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والتلويح بهذا الأمر يُعدّ أخطر من الخطوات الخمس، لكونه يعني نهاية ما تبقى من الاتفاق النووي، خصوصاً مع انهيار ضمانة المراقبة الدولية للبرنامج. وقال رئيس البرلمان علي لاريجاني: «نقولها صريحة، إنه إذا اتّبعت القوى الأوروبية، لأيّ سبب، نهجاً غير عادل في استخدام آلية فضّ النزاع، فإننا سنعيد النظر بجدية في تعاوننا مع الوكالة». موقف لاريجاني ترافق مع التلويح بخطوات عملية، إذ قام عدد من النواب بالتوقيع على بيان حذّروا فيه القوى الأوروبية من «النهج العدائي» تجاه بلدهم، «وإلا فإننا سنقرر، بصفتنا ممثلين لشعب إيران، إذا ما كان عليها البقاء في الاتفاق النووي، وإذا ما كان عليها مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
مقابل التمسّك الإيراني برفض التصعيد الأوروبي وإبداء الاستعداد لملاقاته بتصعيد مماثل، فإن الدول الأوروبية الثلاث ترفض اعتبار قرارها انخراطاً في حملة «الضغوط القصوى» لترامب ضد إيران، بل لإقناع طهران بالعودة عن تحلّلها من الالتزامات النووية. لكن، وفضلاً عن توقيت التصعيد الأوروبي وسياقه، فإن التصريحات الأوروبية المتكرّرة بتأييد مطلب ترامب بالتفاوض على «اتفاق جديد» توضح المسار الذي يسلكه الأوروبيون خلف الإدارة الأميركية. هذا ما ظهر مجدداً، أمس، في لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، على هامش قمة برلين المخصّصة للأزمة الليبية. فالطرفان اتفقا على «الحاجة إلى وضع إطار عمل طويل الأجل لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي»، على رغم أنهما أظهرا لهجة مخففة أكدا فيها التزامهما بالاتفاق النووي و«أهمية عدم التصعيد، والعمل مع الشركاء الدوليين لإيجاد سبيل دبلوماسي لمواجهة التوتر الحالي».