القدس المحتلة | معركة جديدة يخوضها محمد بكري (1953). هذه المرّة ليست دفاعاً عن فيلمه الشهير «جنين جنين». ساحة المعركة ليست قاعات محاكم الكيان الغاصب. المعركة اليوم تدور رحاها على الفايسبوك، وعنوانها فيلمه «يرموك» الذي كتب قصّته الممثل صالح بكري، وصُوِّر في البعنة، بلدة المخرج في فلسطين التاريخية. يستلهم الشريط قصّته من الأحداث التي تنقلها وسائل الإعلام عن الأوضاع المعيشية المُهينة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في قلب الإعصار السوري، وخصوصاً في مخيمي الزعتري واليرموك.
يُعيد الفيلم خلق هذه الأحداث بلغة رمزية في قالب سردي سينمائي. نرى عائلة لاجئة تجلس في غرفة حول النار؛ وعلى وجوهها ملامح الرعب من أصوات القذائف والرشاشات في الخارج. وبعدها تنقلنا كاميرا المخرج إلى مشهد الأب (محمد بكري)، وهو يجلس بجانب ابنته في سيارة قديمة. فجأة، تظهر مقابلهما سيارة مرسيدس سوداء، تُضيء وجه الأب المُتعب، ووجه البنت الخائفة. يترجل من المرسيدس «شوفير» أو حارس شخصي، ويطلب من الفتاة أن تفتح فمها، ليتفحص أسنانها. ثم يرجع إلى سيده الذي يظهر عقاله الأبيض داخل سيارة المرسيدس. الحوار الوحيد في الفيلم، كان احتجاج الأب بصوت متهدّج على المبلغ المدفوع: «إتفقنا ألف مش 500». يجيبه الحارس بغطرسة: «ما إتفقناش على أسنان خربانة». ثم يأخذ الفتاة إلى سيده، صاحب العِقال الأبيض، ويبقى الأب وحيداً، إلا من دمعة تذرفها عينه. في المشهد الأخير، سنراه يُلقي بأكياس الطعام لأولاده.
هذه قصّة الفيلم الذي هو عبارة عن نسخة أولية وضعها بكري على صفحته على الفايسبوك لوقت قصير، قبل نحو أسبوعين، لأخذ الرأي والانتقادات عليها. بعدها، حذف رابط النسخة الأولية. لكن الرابط ظهر أول من أمس، لتظهر معه سكاكين الشتائم والتخوين والتشهير. مقولة الفيلم المستفزة، تعكس حزن بكري على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين في سوريا النازفة. الفنان لا يملك سوى كاميرا وسيناريو ودمعة كي يُعبّر عن هذا الغضب والحزن. تزويج العائلات اللاجئة لبناتهم بأثرياء عرب، صار واقعاً مؤلماً. محمد بكري نشر على صفحته على الفايسبوك توضيحاً موجهاً إلى «الإخوة الفلسطينيين والسوريين والعرب الأشراف في كل مخيم، وفي كل بقعة مقهورة في هذا العالم الظالم»، وأنهاه بعبارة «لن أعتذر عمّا فعلت. عن صرختي الشخصية التي تمثّلت في فيلم قصير ما زال غير مكتمل». في توضيحه، ذكر بكري أنّ اسم الفيلم «يرموك» مؤقت، و«هو لا يزال مسوّدة غير مكتملة. أنا مع أهلي في سوريا. لست مع النظام ولا مع المعارضة. ولذلك كتبت في بداية الفيلم: جراء الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ ٢٠١١، تشرد مئات الآلاف وعضّهم القهر والجوع.
أنا مع كل الناس، والمآسي ليست حكراً علينا نحن الفلسطينيين. أنا ابن فلسطين التاريخية ولست ابن «الثمانية وأربعين»». هذه حكاية «يرموك» محمد بكري، أما «يرموك» اللاجئين الفلسطينيين، فما زال يواجه بصدره العاري رماح الإعصار السوري.

https://www.facebook.com/mohammad.bakri.792?fref=ts