اجتمعت معطيات سياسية وعسكرية عدة أمس، تؤشر الى بداية مرحلة جديدة من عمل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، قد تدشّن آليات جديدة في المسار السياسي لحلّ الأزمة اليمنية المجمّد في ظل استمرار العدوان وحصاره. فللمرة الأولى منذ بدء الحرب على اليمن، يتحدث الفريق المؤيد لها عن ضرورة مواجهة التنظيمات المتطرفة في المناطق التي تسيطر عليها قوات «التحالف» والألوية العسكرية والمسلحون المؤيدون لها، بالتزامن مع التراجع عن التلويح بعملية عسكرية على العاصمة صنعاء، وهو ما يشي بتبدلات في حسابات التحالف وأركانه.
من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، أعلن رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح، يوم أمس، «حتمية المواجهة مع التنظيمات المتطرفة»، مؤكداً أن «الدولة لا يمكن أن تعود إلى الداخل ولا أن تكون قوية في ظلّ وجود هذه الجهات المتطرفة». وتزامن كلام بحاح مع حركة «مريبة» لطائرات «التحالف» فوق ميناء المكلا في حضرموت، مثّلت مقدمة لحصار على الميناء، وأدت إلى إخلائه من السفن ومن عناصر «القاعدة» الموجودين فيه وفي محيطه، من دون وقوع مواجهات عسكرية.
وتحيل تصريحات بحاح على الأهداف المعلنة للحرب على اليمن، والتي تمحورت حول «استعادة» المدن اليمنية من سيطرة «أنصار الله» بغرض «عودة الشرعية»، فيما أوضحت الوقائع العسكرية في المدن التي تمكنت قوات «التحالف» والمجموعات المسلحة المؤيدة لها من السيطرة عليها، مثل مدينة عدن، أن هذه العودة غير ممكنة في ظلّ انتشار التنظيمات المتطرفة في الجنوب.
بحاح: لا نريد تحرير صنعاء بالقوة والحروب لا تخلّف إلا الدمار

وأكد بحاح أن مواجهة «القاعدة» و«داعش» هي مواجهة حتمية، «أكانت اليوم أم غداً»، مشيراً إلى أن إنهاء التطرف «لن يأتي في إطار المحاورة والمناصحة»، ما يمكن أن يشير إلى إمكانية الانتقال إلى عملية عسكرية ضد التنظيمين. وشدد بحاح، في مؤتمر صحافي أمس، على أن سلطة الدولة «يجب أن تكون قوية في إيقاف أيّ عبث يأتي من هذه الأطراف». وكان تنظيما «القاعدة» و«داعش» قد توسّعا في الاشهر الماضية في محافظات الجنوب (عدن، أبين وحضرموت) بالتزامن مع تصاعد جرائم الاغتيال المنسوبة إليهما، بالتزامن مع فرض «الأحكام الشرعية» على سكان مناطق الجنوب، لا سيما في مدينة المكلا.
ورأى بحاح أن التنظيمات المتطرفة تمثل إرهاباً هدفه سفك الدماء وقتل الأبرياء وتدمير المدن و«تشكل خطراً على المناطق المحررة، في الوقت الذي تأمن بطشه ميليشيا الانقلاب من جماعة الحوثي و(علي عبدالله) صالح، فلا سبيل لنا إلا اقتلاعه ومحاربته في كل المدن». وفي محاولة لتشبيه هذه التنظيمات بالجيش اليمني وبحركة «أنصار الله»، قال بحاح إن «الحوثيين أثبتوا أنهم لا يقلّون سوءاً عن القاعدة وداعش»، متّهماً بصورة مبطنة هذه المجموعات بعلاقتها بـ«أطراف معروفة في الساحة اليمنية».
في هذا الوقت، اقتربت قوات عسكرية بحرية تابعة للتحالف من ميناء المكلا، للمرة الأولى منذ بدء العدوان الذي سبق سيطرة «القاعدة» على المكلا بأسبوع واحد. وفي ما يشي بفرض حصار للتحالف على ساحل حضرموت التي ظلّت في منأى عن عملياته العسكرية، حلّقت طائرات «التحالف» فوق ميناء المكلا بشكل كثيف، فيما قامت طائرة «أباتشي» تابعة له بإطلاق النار، في ما يشبه التحذير والاستعراض. وأفادت مصادر محلية بأن البوارج العسكرية التي اقتربت من الميناء طلبت من السفن الراسية هناك «إخلاءه بسرعة»، قبل أن تخضع الاخيرة وتغادر جميعها، بما فيها باخرة الحاويات. وعلمت «الأخبار» أن بحرية العدوان أبلغت إدارة الميناء أنها الجهة المسؤولة عن أذونات الدخول إلى الميناء والخروج منه. كذلك، أفادت المصادر بأن عناصر «القاعدة» أخلوا الميناء والفندق القريب منه، اللذين كانا تحت سيطرته، من دون مواجهات عسكرية.

استعادة صنعاء «سلمياً»
من جهة أخرى، وفي تراجعٍ واضح عن منطق التهديد الذي كان سائداً في السابق، أكد بحاح أن «القوات الحكومية (الموالية للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي) قادرة على شنّ هجوم لاستعادة صنعاء، لكنها تحبّذ التوصل إلى حلّ سياسي». وفيما أكد أن «الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على مشارف صنعاء»، تساءل: «هل نريد تحرير صنعاء وبعض المناطق بالقوة؟»، مضيفاً أنه لا يتمنى ذلك، ويتمنى أن «تكون الأمور سلمية ونحافظ على عاصمتنا ونحافظ على ما تبقى من هذه المناطق (...) الحروب لا تخلّف إلا الدمار أساساً». وبالنسبة إلى المفاوضات لحلّ الأزمة اليمنية، أكد بحاح أنه لم يتم تحديد موعد لجولة جديدة، في تأكيد على إعلان المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ قبل أيام. وتعهّد بحاح بأن تولي الحكومة «الجانب الاقتصادي أهمية خاصة» في 2016، وبـ«تحريك الحياة الاقتصادية وإنعاشها في المحافظات المحررة».
في المقابل، أكد المتحدث باسم الجيش اليمني، شرف غالب لقمان، وجود دلائل على «مشاركة قوات الجو الأميركية والبريطانية والفرنسية والاسرائيلية في القتال إلى جانب قوات التحالف». وفي مقابلة مع وكالة «نوفوستي» الروسية، أشار لقمان إلى أن أغلبية جنود «التحالف» مرتزقة أجانب من شركة الأمن الأميركية الخاصة «بلاك ووتر». وأوضح لقمان أن من بين المرتزقة الأجانب مقاتلين صوماليين وأعضاء قبائل سودانية، لكنّ غالبيتهم أوروبيون وأميركيون وكولومبيون من شركة «بلاك ووتر»، لافتاً إلى أن وحدتهم تشمل نحو 400 شخص.
وأضاف أن «التحالف» يتكبّد خسائر بشرية كبيرة منذ بداية الحملة العسكرية في اليمن، «إلا أن معظم الضحايا ليسوا من مواطني الدول الأعضاء فيه، لأن المرتزقة هم الذين يمثلون غالبية القوات المشاركة في القتال برّاً».
إلى ذلك، صعّدت طائرات التحالف غاراتها الجوية على المحافظات، لا سيما العاصمة صنعاء، حيث استهدفت منازل ومرافق عامة، منها منشآت في مدينة «الثورة» الرياضية ومطار صنعاء الدولي.

(الأخبار، أ ف ب)