لم تثنِ الهجمة السعودية المتصاعدة على رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، الأخير عن مواصلته تحدّي المملكة، عبر إصراره على جمع قادة الدول الإسلامية في قِمة انطلقت في العاصمة الماليزية كوالالمبور، وقاطعتها الرياض. بدت الغضبة السعودية واضحة في خلال الأسابيع الماضية، وسط مؤشّرات دلّلت على قلق الرياض إزاء تشكّل كتلة موازية، أو حتى بديلة، لـ«منظمة التعاون الإسلامي»، يمكن أن تنجم عنها جبهة سياسية رادعة تقارع نفوذ المملكة الهشّ في العالم الإسلامي. ولعلّ أكثر ما أثار الحساسية السعودية كون الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني، وأمير قطر تميم بن حمد، إلى جانب ممثلين عن حركة «حماس»، يشكّلون أبرز الحاضرين في قمة كوالالمبور. مهاتير، الذي عبّر أخيراً عن «إحباطه» من عدم قدرة «منظمة التعاون الإسلامي» على تشكيل جبهة موحّدة للعمل الإسلامي، يبدو أنه كسب جولةً في مواجهة السعودية، وتمكّن من جمع قادة وممثلين عن 20 دولة وصلوا إلى العاصمة الماليزية يوم أمس، على رغم دعوته كلّ الدول الأعضاء في «منظمة التعاون»، وعددها 56، إلى المشاركة في ملتقى للشؤون الإسلامية يختتم أعماله يوم السبت. من جهتها، تمكّنت الرياض من ثني رئيس الوزراء الباكستاني عن حضور القمة، بعدما كان من المحرّكين الرئيسين لانعقادها إلى جانب مهاتير والرئيس التركي. وفي عشاء استقبال لضيوفه، أعلن مهاتير أن القمة تهدف إلى «فعل شيء» لتحسين حياة المسلمين، والتغلّب على ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم، ملمحاً إلى السعودية بقوله «(إننا) نحتاج إلى إيجاد سبيل لمعالجة أوجه قصورنا واعتمادنا على غير المسلمين في حماية أنفسنا من أعداء الإسلام»، لكن مهاتير سعى، في الوقت نفسه، إلى طمأنة الرياض في بيان أصدره دفاعاً عن القمة، حيث أوضح أنه ليست هناك نية لتشكيل «تكتل جديد كما لمّح إليه بعض المنتقدين»، مضيفاً أن «القمة ليست منصّة لمناقشة الدين والشؤون الدينية، ولكنها لمناقشة أحوال الأمة الإسلامية»، مضيفاً أنها «تحاول إطلاق نهج جديد في تعاون الأمة الإسلامية». وتابع، في تعقيب على مكالمته مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أول من أمس، أنه «من الأفضل أن تستمر السعودية في لعب دورها»، ذلك أن «ماليزيا صغيرة للغاية لتتكلّف الدور المعني... القمة تهدف إلى إيجاد حلول جديدة للأمة الإسلامية». وأشار إلى أن «الملك سلمان يفكّر في أن القضايا التي تهمّ الأمة الإسلامية من الأفضل مناقشتها في اجتماعات تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي بدلاً من أن يناقشها جزء صغير من أعضاء المنظمة... إذا نظمت السعودية أي قمة لمناقشة الأمر نفسه، فنحن على استعداد للحضور».
العثيمين: أيّ إضعاف لـ«منظمة التعاون الإسلامي» هو إضعاف للإسلام والمسلمين


أما المملكة، التي تخشى ازدياد عزلتها الدبلوماسية في محيطها، فعمدت فور الإعلان عن تنظيم القمة إلى مهاجمتها عبر وسائل الإعلام التابعة لها، وأيضاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق «الذباب الإلكتروني» التابع لها وسماً بعنوان «قمة الضرار»، خُصّص لمهاجمة ملتقى كوالالمبور، الذي تخشى الرياض أن يُوظَّف في المسّ بمكانتها ومنظمتها التي أثبتت عاماً تلو الآخر عدم نجاعتها. وبحسب مصدر سعودي تحدّث إلى «رويترز»، فإن السعوديين «يشعرون بقلق شديد» إزاء القمة، عبّر عنه خصوصاً الأمين العام لـ«منظمة التعاون الإسلامي»، يوسف العثيمين، إذ انتقد هذا الأخير القمة، معتبراً في حديث إلى قناة «سكاي نيوز عربية» أنه «ليس في مصلحة الأمة الإسلامية عقد مثل هذه القمم واللقاءات خارج إطار المنظمة، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يشهد فيه العالم صراعات متعدّدة»، وأن مثل هذه الاجتماعات تقوّض التضامن الإسلامي. ورأى أن «أيّ إضعاف لمنظمة التعاون الإسلامي هو إضعاف للإسلام والمسلمين». في الإطار ذاته، أشار وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، على حسابه في «تويتر»، إلى «تأكيد الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، على أهمية العمل المشترك ضمن إطار منظمة التعاون الإسلامي، بعكس من حاول السيطرة عليها، وحين فشل يحاول تدميرها وشقّ صفها الآن»، متسائلًا: «أيّ قمة حضورها هو الأهم لمصلحة شعوبنا؟ قمة مجلس التعاون في الرياض أم قمة مصغرة في أقصى الأرض؟». من جانبه، قال نائب رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، إنه أبدى قبيل الإعلان عن قمة ماليزيا قناعته بأن «قمة إسلامية من دون المملكة (السعودية) بلا قمة»، مضيفاً أن «الاعتذارات المتتالية» أكّدت صحة موقفه هذا. وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، غرّد على حسابه في «تويتر» بأن «إضعاف منظمة التعاون الإسلامي ليس من مصلحة العالم الإسلامي ودوله، وسياسة المحاور تجاه المنظمة وأعضائها سياسة قصيرة المدى ولا تتّسم بالحكمة، الإجماع ووحدة الكلمة، وبرغم صعوبة بلورتها أحياناً، تبقى أكثر تأثيراً من المحاور الانتقائية والتفتيت، وستثبت الأيام صحة ذلك».



ودّ مفقود مع الرياض
منذ عودته إلى رئاسة الوزراء في ماليزيا منتصف العام الماضي، لم يطبّع الودّ العلاقات بين مهاتير محمد (94 عاماً) والرياض، التي لم تتوقّع «انبعاث» الطرف المعارض لسياساتها، وفوزه الساحق أمام حليفها نجيب عبد الرزاق. ويُعتبر مهاتير، الذي عاد أخيراً إلى الحياة السياسية بعد غياب دام 15 عاماً، من أشدّ المعارضين للعدوان السعودي على اليمن، وهو كان قد وجّه نداءً إلى المملكة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، يناشد فيه حكّامها الرحمة بكلّ أبرياء اليمن العُزّل، لأن «العالم كلّه يقشعرّ ذُعراً لما تسبّبت به هذه المأساة»، واصفاً تلك الحرب بـ«الوحشية ضد الشعب اليمني». كذلك، اعتبر منتصف عام 2016، أن السعودية ليست شريكاً مناسباً لماليزيا في تعزيز الاعتدال في العالم الإسلامي أو في مكافحة الإرهاب. من هنا، لم يكن مستغرباً أن يُخرج مهاتير السعودية من «الحلف الإسلامي» الذي تحدّث عنه أثناء زيارته إلى تركيا في تموز/ يوليو الماضي، والذي يضمّ إلى جانب كوالالمبور وأنقرة، إسلام آباد.