الحسكة | يتراوح المشهد في بلدتَي عين عيسى وتل تمر بين التصعيد التركي والدفع الروسي إلى التهدئة. ومع إصرار تركيا على إبعاد «قسد» عن كامل الطريق الدولي «حلب - الحسكة»، وبعد عدّة موجات تصعيد تركية في محيط البلدتين في الشهر المنصرم، عادت الأمور تتّجه نحو إنجاز اتفاق مع الجانب الروسي يشمل البلدتين، إلى جانب الجزء الذي يربطهما من الطريق الدولي (M4)، وهو ما بدأت ملامحه تتّضح على الأرض.ومن خلال دخول الجيش السوري منذ يومين إلى صوامع عالية وعدة قرى في محيطها في ريف تل تمر الغربي، بالتزامن مع إعلان «قسد» عن تفاهم لدخول الروس إلى بلدات عامودا وتل تمر وعين عيسى، بدت الأمور وكأنها تنحو بشكل واضح نحو التهدئة كجزء من الاتفاق، خصوصاً وأن دخول القوات الروسية إلى البلدات المذكورة يُفهَم على أنه محاولة روسية لنزع فتيل الحرب، ونزع الذرائع التركية. وبحسب مسار الأحداث، فإن المشهد الميداني الجديد في تل تمر يختلف تماماً عّما يحصل في عين عيسى، التي لا تزال أطرافها الشمالية والغربية تتعرض لقصف مدفعي من قِبَل تركيا تعبيراً عن استعجال الأخيرة تطبيق خطوة انسحاب الكرد من هناك. كذلك، فإن مشهد التواجد الروسي، إلى جانب التواجد التركي المشترك في صوامع عالية، للإشراف على عملية إلزام الفصائل الموالية لأنقرة بالانسحاب منها وتسليمها للجيش السوري، يكشف عن توافق مهم بين الأطراف، لكنه لا يزال غائباً عن عين عيسى.
ويتخذ الضغط التركي العسكري على عين عيسى نمطاً مستمراً أدى، أخيراً، إلى إعلان الأكراد نقل مقرّات «القيادة العامّة لقسد» و«المجلسين العام والتنفيذي للإدارة الذاتية لشمال سورية» وعدد من «الهيئات العامة للإدارة الذاتية» من بلدة عين عيسى باتجاه مدينة الرقة. وعلى رغم تأكيد مصادر «قسد» أن سحب المقرات جاء لكونها باتت «خط تماس»، وأن ذلك إجراء احترازي، إلا أن مصادر ميدانية أكدت إلى«الأخبار» أن هذه الخطوة «جاءت بضغط روسي، لتخفيف الاحتقان التركي، وخلق أرضية للتفاهم لحماية المدينة من مزيد من الهجمات». مع هذا، استمرّ التصعيد العسكري التركي حتى وقت متأخر من ليل أمس، من خلال قصف مكثّف على مناطق انتشار «قسد» في ريفَي تل أبيض وعين عيسى.
وترافقت كلّ تلك التطورات مع سلسلة اجتماعات روسية - تركية في صوامع حبوب عالية والشركراك في ريفَي تل تمر وعين عيسى، لدراسة استمرار تطبيق بنود «اتفاق سوتشي»، مع اتخاذ الخطوات اللازمة لإتمام انسحاب «قسد» من الطريق الدولي. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة على مسار المحادثات الروسية - التركية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأتراك يصرّون على انسحاب كامل لقسد والأسايش من تل تمر وعين عيسى، وكامل الطريق الدولي بين البلدتين». وتلفت المصادر إلى أن «الجانب الروسي تعهّد بإقناع قسد بالانسحاب التدريجي، مع إسناد مهمة حماية الطريق للجيش السوري عبر مخافر حماية في جنوب الطريق». وكشفت المصادر نفسها أن «الاتفاق يرسم حدود انتشار مؤقتة للجيش السوري جنوب الطريق الدولي، مع استمرار تواجد الفصائل المدعومة من تركيا شمال الطريق بمسافة تتراوح بين 2 و4 كم»، مضيفة أن «تركيا تستعجل انسحاب قسد من عين عيسى، مع استمرار تلويحها باللجوء إلى التصعيد العسكري وإبعادهم بالنار، في حال لم ينسحبوا بالتفاهم». ويتكثف الضغط التركي على عين عيسى لكونها تُعتبر عاصمة حالية لـ«الإدارة الذاتية»، بالإضافة إلى أنها عقدة مواصلات بين ثلاث محافظات هي الحسكة وحلب والرقة، وبوابة باتجاه عين العرب والرقة. كما أن أي سيطرة تركية عليها ستعني قطع أبرز الطرق الرئيسة الواصلة بين مناطق «الإدارة الذاتية» في ريف حلب ومناطقها في الحسكة والرقة ودير الزور، فضلاً عن منح الأتراك أفضلية التقدم للوصول إلى سدَّي الطبقة وتشرين، وحتى أرياف دير الزور.
وأمام هذه التطورات، يكشف تصريح القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، أول من أمس، حول «توافق مع الروس على انتشارهم في عين عيسى وتل تمر»، عن تراجع في موقفه الذي سجّله
قبل عدة أيام من خلال تصريحات إعلامية، أكد فيها «رفض قيادة قسد تسليم عين عيسى وتل تمر إلى الروس أو الحكومة السورية». وربما يُفسّر الموقف الجديد للقوى الكردية على أنه قبول بانتشار الجيش السوري في نهاية المطاف في المنطقتين، بالإضافة إلى الطريق الدولي، من أجل التصدّي لمحاولات التوسع التركية. كما أن الأكراد سيسعون إلى انتزاع تعهّد روسي باستمرار استخدام الطريق لمؤسسات «الإدارة الذاتية»، بما يضمن استمرار التواصل الجغرافي بين مناطق «الإدارة»، إلى حين إنجاز تفاهم نهائي مع الحكومة السورية، حول كامل تلك المناطق.