صنعاء | مثلما كانت الحرب على اليمن سبباً في مزيد من الفقر والجوع والموت، فهي مثّلت كذلك فرصة العمر بالنسبة إلى المسؤولين التابعين للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، ونائبه الجنرال علي محسن الأحمر، وقيادات بارزة في الأحزاب المؤيدة للعدوان. العشرات من القيادات العسكرية الموالين لهادي خلعوا بزّاتهم العسكرية، واتجهوا نحو تأسيس شركات تجارية وصناعية واستثمارية في عدد من الدول العربية والأجنبية، من بينها مصر والأردن والسودان وتركيا وماليزيا وصولاً إلى الصين. وعلى المنوال نفسه، مضت قيادات سياسية وحزبية في استغلال الحرب لرفع أرصدتها في البنوك، وتأمين مستقبلها بعد العدوان، بشراء عقارات ضخمة والاستثمار في عدة دول.وعلى الرغم من السرية التي حرص عليها تجار الحرب وسماسرتها على مدى خمس سنوات، إلا أن تقارير عدد من الدول كشفت العديد من جوانب ما يقومون به. أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، تحدث تقرير صادر عن «هيئة الإحصاء التركية» عن ارتفاع عدد المنازل التي اشتراها مستثمرون يمنيون في تركيا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بمعدّل 536 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من 2015 (1082 منزلاً مقابل 170 منزلاً). وبحسب البيانات الرسمية التركية التي أوردتها وكالة «الأناضول»، فإن الإقبال الكبير لليمنيين على شراء المنازل في تركيا أدخل اليمن للمرة الأولى في التاريخ ضمن الـ10 الأوائل في قائمة الدول الأجنبية الأكثر شراءً للعقارات في تركيا. كذلك، أظهرت الإحصائيات قيام «رجال أعمال يمنيين» بتأسيس 174 شركة في تركيا خلال العامين ونصف العام الماضية بمليارات الدولارات.
ارتفاع النشاط التجاري والاستثماري لأثرياء الحرب الموالين للعدوان في السودان في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير الذي مثّل حاضنة لاستثمارات حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) خلال السنوات الماضية، قوبل بسخط من قِبَل القطاع الخاص السوداني؛ على اعتبار أن تلك الاستثمارات كانت تتمّ عن طريق رخص يملكها مواطنون سودانيون، ما دفع بوزير التجارة والصناعة السوداني الحالي، مدني عباس مدني، إلى حظر ممارسة النشاط التجاري من قِبَل الأجانب إلا بموجب قانون الاستثمار أو اتفاقيات حكومية خاصة، وحصره بالسودانيين فقط. وبموجب القرار المذكور، بدأ خلال الأيام الماضية منع الأجانب من الدخول في إجراءات الاستيراد كافة، ومن ممارسة عمليات البيع والشراء، سواء مباشرة أم عن طريق وسيط محلي، وذلك لصالح القطاع الخاص السوداني الذي عانى من منافسة غير شريفة خلال السنوات الماضية. وعلى عكس السودان، فتحت مصر أبوابها لاستثمارات اليمنيين، التي تشير التقديرات الأولية إلى أنها تجاوزت 16 مليار دولار خلال سنوات العدوان. ووفقاً لمصادر اقتصادية يمنية في القاهرة، فإن إقبال اليمنيين على شراء الشقق في العاصمة المصرية خلال السنوات الأربع الماضية تجاوز 100 ألف شقة، لا يقلّ ثمن الواحدة منها عن 25 ألف دولار، إضافة إلى شراء الآلاف من الفلل الفارهة في عدد من المدن المصرية من قِبَل مسؤولين يمنيين موالين لـ«التحالف». وأضافت المصادر أن تجاراً موالين للعدوان وآخرين مستقلين أسّسوا أكثر من 160 شركة تجارية وخدمية، وافتتحوا العشرات من المؤسسات الخدمية كالمطاعم الضخمة والفنادق، فضلاً عن مصانع إنتاجية للصناعات الخفيفة والمشروبات والصناعات البلاستيكية والملابس الجاهزة، مُقدِّرةً حجم استثمار قيادات سياسية وعسكرية وتجار يمنيين في مصر بأكثر من 12 مليار دولار. وبحسب المعلومات، فإن 50 أسرة يمنية وصلت القاهرة منذ منتصف 2018 حتى منتصف 2019، استثمرت بـ250 مليون دولار في قطاعات عديدة، أبرزها العقارات والتعليم. هذه الاستثمارات امتدّت أيضاً إلى الأردن الذي دخلته مئات الملايين من الدولارات على أيدي قيادات عسكرية في قوات هادي، وماليزيا، فضلاً عن الصين التي توجّهت إليها أموال الأحزاب الدينية الموالية للعدوان خشية تعرّضها للحجز من قِبَل وزارة الخزانة الأميركية.
تجار الحرب ومستثمروها استغلّوا الانقسام المالي والاقتصادي بين صنعاء وعدن


تجار الحرب ومستثمروها استغلّوا الانقسام المالي والاقتصادي بين صنعاء وعدن، وتكاثر شركات الصرافة في السوق اليمني وسيطرتها على تريليون ونصف تريليون يمني بسبب قرار نقل البنك المركزي الصادر أواخر أيلول/ سبتمبر 2016، من أجل تمرير عملياتهم في غسل الأموال وتهريبها. وفي هذا الإطار، قدّر أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن، الدكتور يوسف سعيد، مطلع شهر تشرين الأول، «تكلفة خروج رؤوس الأموال الخاصة، والأموال المغسولة التي حصل عليها تجار حروب بطرق غير مشروعة وجرى تبييضها وتهريبها عبر وكلاء للصرافين وبعمليات معقدة إلى ثماني دول بحثاً عن فرص استثمارية آمنة ومجزية خلال السنوات الأربع الماضية، بـ30 مليار دولار». ولم يستبعد سعيد وقوف عدة جهات وراء دعم عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، مشدداً على أن القضاء على هذه الظاهرة سيتمّ في حال تحقيق السلام في البلاد وتفعيل البنك المركزي لأدواته كافة.
وتندرج عمليات تهريب العملات الأجنبية، والتي تصاعدت خلال السنوات الثلاث الماضية، في إطار محاولات «التحالف»، منذ أواخر العام 2016 إحداث أزمة مدفوعات، وإيصال البلد إلى العجز الكامل عن استيراد الغذاء والدواء والوقود من جراء سحب السيولة من الدولار من السوق وتهريبها. وما زاد الطين بلّة قيام حكومة هادي باستنزاف الوديعة السعودية المُقدَّرة بملياري دولار (والمُقدَّمة مطلع العام 2018) خلال ستة أشهر فقط، وذلك تحت غطاء فتح اعتمادات مستندية لتمويل احتياجات اليمن، ما كبّد البنك المركزي خسارة تتجاوز 240 مليار ريال كفارق سعر، يعتقد مراقبون أن فريق محافظ البنك السابق، حافظ معياد، تَقاسَمها مع تجار محدودين. واستغلّ تجار الحروب العدوان والحصار، من أجل بناء امبراطوريات مالية من المضاربة بالعملات الأجنبية في السوق اليمني، وإدارة سعر الصرف بما يتناسب مع مصالحهم، وافتعال أزمات المشتقات النفطية للكسب غير المشروع. يضاف إلى ذلك وقوف القيادات العسكرية والسياسية وجماعات المصالح والنفوذ المقربة من هادي وحكومته وراء نهب الإيرادات العامة للدولة، وفرض رسوم وأتاوات ظالمة على القطاع الخاص والتجار المستوردين تحديداً، ورفع كلفة الخدمات، كجواز السفر الذي ارتفعت رسومه من 5000 ريال يمني في صنعاء إلى 100 ألف ريال في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، فضلاً عن مصادرة عائدات النفط الخام والغاز، والاستحواذ على تقديم خدمات الكهرباء في مأرب والمحافظات الجنوبية والشرقية، وإيقاف مؤسسات الكهرباء الحكومية.