بعد الرؤية التي قدّمها السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان عن انتفاضة لبنان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي، تزايدت مؤشرات انتقال الصراع على الجبهة الإقليمية والدولية الى الساحة الداخلية، وسطَ ارتفاع منسوب القلق من مدى قدرة البلاد على الصمود بعدما أصبحت في قلب المواجهة. فكلام فيلتمان هدف الى وضع لبنان على لائحة الأهداف الأميركية، وذلك في سياق محاولة إرساء قواعِد جديدة من ضمن استراتيجية ضرب المقاومة وحلفائها. غير أن تطورات خارجية من شأنها، ربما، أن تُحدِث في الأيام المُقبلة ثغرة، ولا سيما في الملف الحكومي.لم تجِد السلطة حتى الآن أي مخرج لاحتواء الانتفاضة التي اندلعت في 17 تشرين الماضي، ولم تفلح في بلوغ تفاهم حول حكومة «يٌباركها» الرئيس المُستقيل سعد الحريري. المُشاورات بين الأخير، وبين فريق 8 آذار (حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ) متوقفة. إلا أن المُشاورات بين المكونات الثلاثة مستمرة نظراً الى إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تأليف حكومة بأسرع وقت. تقول مصادر هذا الفريق إن «الرئيس عون مستاء جداً من تعامل الرئيس سعد الحريري وعدم جديّته، ولذا يفضّل البدء بالبحث عن أسماء بديلة»، وهو ما اعتبرته المصادر «أمراً منطقياً ومحقاً». لكن هذه المشاورات لا تزال محكومة بفكرة «شكل الحكومة». أي أن السؤال اليوم ليسَ «من هو رئيس الحكومة، وإنما شكل الحكومة الجديدة. فهل هي حكومة أكثرية أم حكومة توافق»؟ أمام إصرار الحريري على عدم تشكيل حكومة إلا وفقَ شروطه، صار اسمه مستبعداً من التداول بعدما كان فريق 8 آذار يتمسّك به، لكن البحث عن أسماء بديلة لا يزال في إطار مقربين منه أو من الأسماء التي يُمكن أن تحظى بقبول منه.
ويبدو أن تطورات خارجية قد تعيد قلب المشهد الداخلي، إذ ذكرت مصادر مطلعة أن المشاورات الأميركية ــــ الفرنسية ــــ البريطانية بشأن لبنان، التي انطلقت في باريس الثلاثاء الماضي، انتهت الى تصوّر لمجموعة من الخطوات تتراوح بين زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية، والترغيب بدعم في حال التزام الأطراف في لبنان بـ«خطة إصلاحية شاملة». وقالت المصادر إن «الجانب الغربي يتّجه الى تولي الملف بدلاً من تركه لإدارة السعودية والإمارات وبعض القوى اللبنانية»، وذلك انطلاقاً من كون أن «الرئيس عون وحزب الله رفضا تقديم أيّ تنازل بما خصّ تشكيل الحكومة الجديدة، وبعثا بإشارات الى استعدادهما لتشكيل حكومة فريق واحد إن تطلب الأمر».
وبحسب المصادر، فإن «المشاورات الغربية قد ينتج منها مبادرة»، ولا سيما أن «فرنسا ستشهد اليوم اتصالات خاصة من أجل احتمال دعوة أصدقاء لبنان الى اجتماع عاجل في باريس قبل نهاية هذا الشهر، في سبيل توفير فرصة تقديم دعم جدي للبنان لمنع الانهيار المالي الذي بدأ يلوح في الأفق».
أما بشان التركيبة الحكومية، فقد كشفت المصادر أن المشاورات الغربية، والتي شملت الرئيس الحريري في بيروت، انتهت الى تعديل في التصوّر الغربي، والموافقة على حكومة تكنو ــــ سياسية، مع تعديل مركزي يقول بأن حصة الوزراء السياسيين لن تتجاوز ربع أعضاء الحكومة، وأن اختصاصيين لديهم خبرات أكيدة في إدارة مرافق وشركات، سوف يتولون الحقائب الخدماتية من دون أن يقع أحد تحت ضغط الإتيان بكوادر أكاديمية». ولفتت المصادر الى أن «الأميركيين دفعوا نحو تجميد نشاط رئيس الجامعة الأميركية فضلو خوري الذي أجرى سلسلة واسعة من الاتصالات في لبنان وخارجه لأجل تعيين حكومة معظم أفرادها من أساتذة جامعيين وأكاديميين عملوا على عقود استشارية مع شركات حكومية وخاصة». وأكدت المصادر أن «الرئيس الحريري أبلغ من يهمّه الأمر في لبنان وفي العواصم الغربية أنه لا يريد أن يكون رئيساً للحكومة في هذه الفترة، وبالتالي فإن المحادثات الجارية الآن مع الرئيس عون ومع حزب الله تتركز على سبل اختيار شخصية غير سياسية لتولي منصب رئيس الحكومة بموافقة الحريري، الذي قال إن تياره سيكون ضمن الحكومة».
عون وحزب الله بعثا بإشارات إلى استعدادهما لتشكيل حكومة فريق واحد


وعن وجود تضارب في الآراء داخل الأوساط الغربية حيال كيفية التعامل مع الأزمة اللبنانية، لفتت مصادر عربية مقيمة في باريس الى أن «وزارة الخارجية الأميركية لا تُظهر اهتماماً كبيراً بأيّ قرار من شأنه التسبّب بانهيار كبير في لبنان»، بعكس آراء بعض مراكز القوى في الكونغرس وبعض الأجهزة التي تدعو الى رفع مستوى الضغوط. ونقلت هذه المصادر عن مسؤولين أميركيين أن «وزارة الخزانة الأميركية أعدّت لائحة بأسماء شخصيات قريبة من التيار الوطني الحر لوضعها على لائحة العقوبات»، مع الإشارة هنا الى أن «واشنطن كانت قد منعت رئيس جمعية المصارف سليم صفير من دخول واشنطن، ولم تسمح له بالمشاركة في اجتماعات مالية دولية، قبل أن تعود وتمنحه تأشيرة دخول أخيراً، وكل ذلك على خلفية أنه عقد صفقة سياسية مع الوزير جبران باسيل».

سعر قياسي للدولار
في هذا الوقت، سجّل سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي في «السوق الموازية» رقماً قياسياً، أمس، إذ تجاوز عتبة الـ 2000 ليرة لكل دولار عند بعض الصرافين. وسبق لسعر الصرف أن وصل إلى هذا الحد، عندما كانت المصارف مقفلة، ولم يكن مصرف لبنان يضخّ دولارات في السوق. لكنها المرة الأولى التي يبيع فيها صرافون في بيروت الدولار بأكثر من ألفَي ليرة، رغم أن أبواب المصارف مفتوحة، وإن كانت قد وضعت قيوداً على السحب والتحويل. وتجدر الإشارة إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سبق أن أعلن غير مرة أنه غير معني بالسعر الذي يصل إليه الدولار في السوق الموازية (لدى الصرافين)، وأنه يهتمّ حصراً بالسعر الرسمي الذي تلتزم به المصارف.