محمد خالد أوقف سيارة الأجرة وقال ممازحاً وهو ينظر الى السائق: «الكوْلا يا معلم؟» لفظها تماما كما يلفظها اهل المخيم، اي بتسكين الواو والشد على اللام. ضحك السائق وقال له «يي يي ع.. الفلسطينيه بيقولوا للكولا كوْلّا»!
قفشه بسهولة. هكذا، لم يستطع صديقي عبد ان يقلد اللهجة اللبنانية حتى بأسماء المناطق التي تعتبر سهلة، فعبد الذي ولد في مخيم نهر البارد، تربى على اللهجة الفلسطينية، لهجة قريته صفورية تحديداً.

وعبد, كمعظم ابناء المخيم من الشباب الطموحين الذين يحاولون جاهدا تغيير واقعهم نحو الافضل. درس في مدارس الاونروا حتى بلغ مرحلة الجامعة، حينها قرر الذهاب الى بيروت للعيش هناك والدراسة في احدى الجامعات الخاصة.
لا يخفي صديقي انه عانى الكثير هناك. فأصدقاءه من الجنسية اللبنانية لا يفهمون عليه في بعض الاحيان، حيث ان بعض المفردات التي يستخدمها، متوارثة عن جيل النكبة اي انها تعود الى ما قبل العام 1948، يعني كلمات اجدادنا.
قال لي مرة ان اصدقاءه ضحكوا عليه حين عرفهم على مجموعة من صديقاته، فقال لهم وهو يشير الى كل واحدة من الصبايا: «هاي صاحبتي وهذه ايضا صاحبتي وتلك صاحبتي». لم يكن الشاب يعلم ان كلمة صاحبتي باللهجة اللبنانية تعني الحبيبة.
تخرج عبد من الجامعة وبدأت رحلة البحث عن العمل: من شركة الى شركة، كان الرفض له دوما بالمرصاد. والسبب؟ فلسطينيته. لكن، وبرغم كل هذا الفشل، لم يطاوعه قلبه ان يحذف كلمة فلسطيني من سيرته الذاتية.
اشتغل عبد في معظم «الاعمال الشاقة»، حتى الادارية منها، الى ان استقر في مؤسسة صغيرة يعمل فيها اليوم وهي تعنى بالنازحين السوريين في المخيمات الفلسطينية.
صديقي عبد هو نموذج للشباب الفلسطيني الذي يعاني من عدم الحصول على فرصة عمل، آخر من اعرفه منهم كان محمد، شاب يعمل في مطعم عائد لاحدى الشركات. لكنه طُرد من عمله بسبب لهجته الفلسطينية.
تضيق شوارع المدينة بأبناء المخيمات: لا حق بالعمل يملكون ولا حق حتى بالتملك، فهل اصبح المطلوب من الفلسطيني الآن ان يخفي هويته ليسترزق؟ او عليه ان يغير لهجته؟ وهل اصبحت اللهجة الفلسطينية تهمة؟
فاللهجة ليست كلمات محرفّة و متداولة بشكلها ذاك، بل اصبحت على ما يبدو حدودا دولية شفهية، يجب الحفاظ عليها بأمانة واخلاص كما يفعل أي جندي يسهر على أمن بلده، وقديما كان الناس يقومون بتحديد حدود دولة معينه عن طريق اللهجات!.
لا يستطيع معظم الفلسطينيين ان يغيروا لهجتهم ولو حاولوا، سرعان ما تظهر «البندورة» مثلا، وهي كلمة كان يقال ان الميليشيات اليمينية في الحرب الاهلية اللبنانية كانت تختبر عبرها المواطن المار على حواجزها، لجهة كونه لبنانيا او فلسطينيا «مموها».
لا يتقن الفلسطينيون اللهجة اللبنانية، هكذا حين يأخـذهم الكلام سرعان ما ينكشفون او يفشلون. قد يكون ذلك بشكل غير واع بسبب تمسكهم بلهجتهم التي تمثل هوية، ربما لم يبق لهم من فلسطين غيرها اليوم. هكذا يتضامنون مع انفسهم للحفاظ عليها تماما كما حق العودة. ولكن، كيف نحل اشكال الجنسية واللهجة للحصول على فرصة عمل؟. ما العمل؟