طهران | بعد الخطوة الإيرانية الرابعة في خفض التزامات طهران الواردة في الاتفاق النووي، ينصبّ السؤال على فرص جديدة للدبلوماسية من جهة، ومن جهة أخرى موتٍ قريب للاتفاق. وهو ما تتنوّع القراءات في شأنه لدى المتابعين في طهران، بما يوحي بأن الخطوة فتحت المسارين معاً في انتظار تفاعل أوروبا، لكن أكثر ما تؤكده الخطوة هو أن المفاوضات مؤجلة لجلاء مصير دونالد ترامب.بينما وجّهت الولايات المتحدة والدول الأوروبية انتقادات إلى إيران بسبب خفضها الرابع لالتزاماتها النووية، فإنه لم تُتخذ حتى الآن أيّ إجراءات عملية لتوفير المصالح الإيرانية المنصوص عليها في الاتفاق النووي، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية انتقدت العقوبات الأميركية، إلا أنها واكبتها على أرض الواقع. هذا بحسب وجهة النظر في طهران، التي تشير إلى أن الدول الأوروبية ــــ على ما يبدو ــــ إما أنها لا تريد وإما أنها لا تستطيع اتخاذ إجراء جادّ لإحباط مفعول العقوبات.
لم يحقق المشروع الفرنسي، القاضي بمنح إيران خطّ ائتمان قدره 15 مليار دولار، نتيجة بسبب المعارضة الأميركية له. أما طهران، فإنها تمضي قدماً في عملية خفض التزاماتها بالاتفاق النووي بصورة هادئة ومن دون استعجال، بمعنى أنها لا تصرّ في الحقبة الحالية على اعتماد إجراءات، بما فيها زيادة مستوى التخصيب إلى 20%، الذي كان قائماً قبل الاتفاق. تهدف طهران من ذلك إلى الحدّ من الصدمة، ومنع تولّد اصطفافات دولية موحّدة ضدها، وأيضاً الإبقاء على نافذة الدبلوماسية مفتوحة.
بعبارة أخرى، تتصوّر إيران أن ثمة احتمالاً، من خلال الخفض التدريجي والهادئ للالتزامات، لأن تُقْدِم الأطراف الأخرى على شيء ما لإنقاذ الاتفاق. يرى نصرت الله تاجيك، السفير الإيراني الأسبق لدى الأردن، أن الطاقة اللازمة للاستفادة من الاتفاق النووي لا تزال موجودة. ويقول في حوار مع وكالة «إيلنا» الإيرانية: «أشكّ في اعتبار أن الخطوة الرابعة تمثل نهاية للاتفاق النووي، وأظن أن الاتفاق يملك الطاقة اللازمة للاستمرار. ومن الأفضل أن تكون الهيكلية العامة للاتفاق النووي سائدة، وأن محتواه يملك الطاقة الكفيلة بأن تستمر إيران في العمل مع حلفائها في هذا الاتفاق». ويضيف: «من الطبيعي أن كلا الطرفين يخوضان في الوقت الحاضر حرباً نفسية، وكلّ طرف يسعى إلى الحصول على المزيد من التنازلات من الطرف الآخر».
لا طهران ولا واشنطن تظهران مرونة ورغبة في التراجع عن سياساتهما


بيد أن ثمة أطرافاً في إيران تريد المزيد من الإسراع في خفض الالتزامات، وترى أن الإجراءات الأخيرة لا تفي بالغرض. المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني والمحسوب على التيار الأصولي، حسين نقوي حسيني، يرى أن «الخطوة الرابعة لخفض الالتزامات النووية الإيرانية ليست ذات أثر، ولن تدفع الطرف الآخر إلى اتخاذ إجراء عملي خاص». ونقلت وكالة «مهر» عن نقوي حسيني قوله: «لا يجب أن نمنح فرصة إلى هذا الحدّ للطرف الآخر»، مضيفاً: «خطواتنا اللاحقة في خفض الالتزامات النووية يجب أن تكون أقوى، عسى أن يتحرك الطرف الآخر وينفذ التزاماته في الاتفاق». وزاد: «إننا لم نر لحدّ الآن أيّ موقف من الطرف الآخر، لأن خطوات إيران في خفض الالتزامات لم يكن لها تأثير كبير».
سدّدت الإدارة الأميركية، خلال الأشهر الأخيرة، كلّ سهام العقوبات التي في جعبتها، في حين أن الاقتصاد الإيراني شهد بعد مرحلة من الاهتياج والتقلّبات استقراراً نسبياً، وتزايدت المقدرة على الاحتمال ومواجهة العقوبات. من هنا، تشير القرائن إلى أن التجمد والطريق المسدود الحالي في الاتفاق النووي سيستمرّان على أقلّ تقدير حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة واتضاح مصير البيت الأبيض، وأن لا طهران ولا واشنطن تظهران مرونة ورغبة في التراجع عن سياساتهما. من جهة أخرى، فإن ردة الفعل الأميركية «المعتدلة» تجاه حادثَي مهاجمة إيران للمسيّرة الأميركية ومهاجمة «أنصار الله» لمنشآت «أرامكو» النفطية السعودية أظهرت أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، غير راغب، في المستقبل المنظور على الأقلّ، في الدخول في تصعيد عسكري مع إيران، وهذا الأمر أدى إلى أن تزداد الثقة بالنفس لدى إيران أكثر من السابق للمضيّ قدماً في برامجها السياسية والأمنية.
وكانت إيران قد اتخذت الخطوة الرابعة في خفض التزاماتها في الاتفاق النووي اعتباراً من الأربعاء الماضي، من خلال حقن غاز «هكزوفلورايد اليورانيوم» (UF 6) في 1044 جهازاً للطرد المركزي في منشأة «فوردو» النووية. وكانت فوردو إحدى المسائل الخلافية الرئيسة في المحادثات النووية التي جرت بين إيران ومجموعة «1+5». وهي تقع في جوف الأرض بالقرب من مدينة قم، وكانت تعمل قبل الاتفاق من خلال امتلاكها أكثر من ألف جهاز طرد مركزي كسند لمعمل «نطنز» لتخصيب اليورانيوم. لكن، ومع التوقيع على الاتفاق، تَقرّر أن تتم الإفادة من هذا الموقع للبحوث فحسب، لا للنشاطات التي تفضي إلى التخصيب. كما تَقرّر في الاتفاق النووي أن تدور أجهزة الطرد المركزي في فوردو، لكن من دون حقن الغاز فيها.
مع ذلك، فإن طهران تصرّ على أن خفض التزاماتها يتم في إطار الاتفاق النووي، وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن أنه يمكن العودة عنه. وأعلن الرئيس حسن روحاني، الثلاثاء، عن الخطوة الرابعة لخفض الالتزامات، وقال: «الخطوة الرابعة مثلها مثل سائر الخطوات يمكن العودة عنها، أي متى ما عادوا إلى العمل كاملاً بالتزاماتهم، فإننا سنعود أيضاً إلى العمل بالتزاماتنا». وأضاف: «أمامنا فرصة خلال الشهرين المقبلين لإجراء محادثات، فإن توصّلنا إلى حلّ صحيح، والحلّ هو أن يتم رفع العقوبات وأن نكون قادرين على تصدير نفطنا بسهولة، وأن نستفيد من أموال بنوكنا، وأن يتم رفع سائر العقوبات في مجال المعادن والتأمين، فإننا سنعود إلى الظروف السابقة». والجدير ذكره أن هذا الخفض للالتزامات النووية تزامن مع الذكرى السنوية الأربعين للاستيلاء على السفارة الأميركية والتظاهرات الواسعة في إيران، بعدما كانت واشنطن قد فرضت عقوبات جديدة على طهران.