ويستهدف التصعيد التركي، على ما يبدو، إسقاط مدينة رأس العين، ثم ربطها بمناطق سيطرة أنقرة في تل أبيض، لرسم حدود «المنطقة الآمنة» المنشودة، والتي ستكون تحت السيطرة التركية على امتداد الطريق بين رأس العين وتل أبيض. وامتدت الانتهاكات التركية، أيضاً، إلى طريق تل تمر - الحسكة، من خلال استهداف مدفعي طاول قافلة مدنية كانت تتجه إلى رأس العين، في ظلّ تحليق لطائرات استطلاع تركية فوق مدينة المالكية وريفها، شمال الحسكة. وأدى القصف الجوي والمدفعي التركي، أمس، إلى مقتل 8 مدنيين منهم 5 في قرية باب الخير، و3 في قرية زركان في ريف رأس العين، مع الإعلان عن انتشال 16 جثة في قرية مشرافة جنوب رأس العين. وبالتوازي مع استمرار الهجمات التركية، ثبّت الجيش السوري نقاطاً جديدة له في عين العرب باتجاه أرياف الرقة شرقاً، تمهيداً لانتشار إضافي في المنطقة، بعدما دخل مزيداً من القرى بين تل تمر ورأس العين في ريف الحسكة.
يستهدف التصعيد التركي إسقاط مدينة رأس العين، ثم ربطها بمناطق سيطرة أنقرة في تل أبيض
ووسط استمرار الهجمات التركية حتى عصر أمس، أصدرت «الإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا بياناً أكدت فيه «التزامها التام بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار»، مشيرة إلى أن «تركيا لم تلتزم بالاتفاق واستهدفت بعض المناطق في شمال وشرق سوريا، وخاصة في مدينة رأس العين». ورأى البيان أن «اتفاق وقف إطلاق النار يفوِّتُ على تركيا ما كانت تريد تحقيقه بإجراء سياسة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي لمكوّنات المنطقة، كما يُفوِّت عليها احتلال المزيد من الأراضي السورية». وأشار إلى أن «الاتفاق سيشمل فقط المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، مع ضمان عودة جميع النازحين إلى مناطقهم». من جهته، اعتبر القيادي الكردي في «حركة المجتمع الديموقراطي»، إلدار خليل، في تصريحات إلى وسائل إعلام كردية، أن «فترة وقف إطلاق النار مهمة لمناقشة كل شيء مع الأميركيين، خاصة الأمور المتعلّقة بمستقبل المنطقة ومن سيديرها»، مضيفاً أن «وقف إطلاق النار لن يتعارض مع اتفاقنا مع الروس والنظام على الانتشار على الحدود وحمايتها». أميركياً، أكد وزير الدفاع، مارك إسبر، أن قوات بلاده لن تشارك في إقامة «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا، مضيفاً أن «الولايات المتحدة تواصل انسحاباً مدروساً من شمال شرق سوريا». جاء ذلك في وقت أورد فيه التلفزيون السوري الرسمي خبراً عن «انسحاب 50 جندياً من قوات الاحتلال الأميركي من مطار رحيبة (روباريا) غير الشرعي في ريف المالكية في ريف الحسكة، إلى العراق».
في خضمّ ذلك، يظهر أن ثمة تبايناً في وجهات النظر بين دمشق والأكراد، فالأخيرون يريدون انتشاراً سريعاً للجانب الحكومي في رأس العين ودخوله المعركة ضد الأتراك، فيما لا تزال وحدات الجيش في حالة جاهزية للانتشار من المالكية وحتى الدرباسية في ريف الحسكة. وربّما يهدف الجيش السوري، من خلال إتمام الانتشار في الشريط الحدودي الشمالي للحسكة، إلى تأمين 240 كم على امتداد الحدود بين المالكية ورأس العين وحمايتها من أي توسّع تركي، تمهيداً لإيجاد آلية للتعامل مع المناطق التي احتلّها الأتراك في عمليتهم الأخيرة. وعلى رغم عدم اتضاح الموقف بشكل كامل، إلا أن ما بات محسوماً هو أن الجيش سيتابع انتشاره في مناطق إضافية على الحدود، الأمر الذي لن يعارضه الجانب التركي، تماماً مثلما حصل في
منبج وعين العرب. لكن الانتشار قد يصطدم بإصرار الأكراد على استمرار نشر مقاتليهم إلى جانب نقاط الجيش، وهو أمر يُرجّح أن تعمل روسيا على حسمه، وتثبيت واقع جديد على الحدود. وفي هذا الإطار، يبدو لافتاً ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أن «بلاده لا يزعجها انتشار النظام السوري في المناطق التي كانت تسيطر عليها التنظيمات الكردية»، وتأكيده أنهم «يعملون على الوصول إلى حل مقبول مع روسيا في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة»، وأن «القوات التركية لن تنسحب من المناطق التي دخلت إليها شمال سوريا». تصريحات أردوغان هذه رمت الكرة في ملعب الروسي، الذي يبدو أنه سيلعب الدور الرئيس في التنسيق بين الجانبين التركي والسوري، وأيضاً بين الحكومة السورية والأكراد، للاتفاق على صيغة توقف العملية، لصالح بسط الحكومة السورية سيطرتها على مناطق «قسد» على الحدود.