أقرّت منظمة اليونيسف التي تدير أموال الجهات المانحة لتعليم اللاجئين السوريين لوزارة التربية بوجود فجوة في المساعدات المالية للدول المانحة قيمتها 8.9 ملايين دولار، من دون أن تحدد موعداً لتسديدها، آخذة على الوزارة عدم التشاور معها بشأن قرار تجميد بدء العام الدراسي في مدارس بعد الظهر، وربط ذلك بتسديد الفجوة كاملة. لكن المنظمة تعهّدت بدفع 2.9 مليون دولار هي قيمة مستحقات المعلمين وصناديق المدارس عن العام الدراسي الماضي قبل الإثنين المقبل.هذه هي خلاصة الاجتماع المسائي الذي عُقد أمس في الوزارة والذي بحث في التطورات الأخيرة المتعلقة بتأخير تسديد مستحقات المعلمين «المستعان بهم» نحو 7 أشهر. وينتظر أن يصدر اليوم بيان مشترك بين الجهتين يوضح الصيغة التوافقية، ويحدد موعداً جديداً لانطلاقة العام الدراسي.
وكانت وزارة التربية رمت، في اليومين الأخيرين، الكرة في ملعب منظمة «اليونيسف»، فرفضت اقتراحاً قدمته يقضي بتحويل مبلغ بقيمة 2.9 مليون دولار من بند الاستهلاك (صيانة المباني، الزجاج، الالومنيوم الخ) لدفع المستحقات التي تبلغ قيمتها نحو 3 مليارات و400 مليون ليرة، فيما ربطت مصير فتح المدارس بتسديد الفجوة كاملة، والتي أقرت بها اليونيسف في كتاب رسمي، بحسب مستشار وزير التربية صلاح تقي الدين. الأخير نفى إمكان التلاعب بحسابات المساعدات، «لوجود رقابة شهرية يُجريها مدقّقون لمصلحة الدول المانحة تمكّن من معرفة أين يصرف كل قرش». مطلب الوزارة، كما قال تقي الدين قبيل الاجتماع، هو «الحصول على ضمانات من المجتمع الدولي بسدّ الفجوة كشرط أساس لدفع مستحقات المعلمين، وعدم تكرار حصول فجوات مماثلة في العام الدراسي المقبل، باعتبار أن أعداد التلامذة إلى ازدياد وكذلك أعداد الأساتذة وجميع النفقات الأخرى».
طلب التفتيش التربوي استصدار تكليف تربوي ومالي للتحقيق في الأموال (هيثم الموسوي)

وأوضح أنّ المشكلة هي مع «اليونيسف» وليس مع الاتحاد الأوروبي الذي سدّد كل ما يتوجب عليه، لافتاً إلى أن الأساتذة «يوقّعون لدى التعاقد معهم على تعهد ينص على أنّ وزارة التربية ليست الجهة المسؤولة عن مستحقاتهم إنما الجهات المانحة، وبالتالي ليس مجدياً تنظيم تحركات احتجاجية أمامها». لكن لماذا نصحتم «المستعان بهم» بالضغط على الاتحاد الأوروبي، وأنتم تقرون بأنّ المشكله ليست عنده؟ أجاب: «لم نقل لهم اذهبوا إلى الاتحاد الأوروبي بل إلى سفارات الدول المانحة وهم من أخطأوا البوصلة».
في المقابل، اكتفت منظمة اليونيسف بالإعراب عن قلقها من التطورات الأخيرة، رافضة إعطاء أجوبة شافية على أسئلة «الأخبار» عن آليات التدقيق في الأموال، والتأكد من أنها تصرف في مكانها الصحيح، وما إذا كان هناك فعلاً فجوة من العام الدراسي الماضي، وما إذا أقرت المنظمة بذلك في كتاب رسمي، ومن هي الدول التي لم تدفع متوجباتها. سألت «الأخبار» المنظمة أيضاً عما إذا طلبت من وزارة التربية أن تتصرف بأموال الاستهلاك لدفع مستحقات الأساتذة وصناديق المدارس، وما هي الطروحات التي ستقدمها في الاجتماع مع الوزارة، ولم يصدر عن «اليونيسف» سوى جواب يتيم بواسطة البريد الالكتروني: «إنّ منظمة اليونيسف على علم بالتطورات الأخيرة المقلقة، ونحن على تواصل مستمر مع وزارة التربية والتعليم ووكالات الأمم المتحدة والدول المانحة، ونبذل قصارى جهدنا لإيجاد أفضل الحلول للمعلمين وضمان حصول جميع الأطفال في لبنان على التعليم».
في الواقع، ليست المرة الأولى التي تُثار فيها شكوك بشأن إدارة أموال تعليم التلامذة اللاجئين السوريين، وأسباب حصرها بوحدة خاصة في وزارة التربية، هي وحدة التعليم الشامل، وعدم خضوع المساعدات المالية التي يقدمها المجتمع للدولي لأي رقابة من ديوان المحاسبة أو وزارة المال أو التفتيش التربوي والمالي. فالقضية مطروحة منذ انطلاقة هذا التعليم في المدارس الرسمية في العام الدراسي 2013 - 2014، وفي كل مرة يأتي الجواب أن الجهات المانحة لديها نظام تدقيق خاص بها يؤمّن شفافية صرف الأموال.
وتحت عنوان تنظيم عمل المدارس الرسمية التي تستقبل التلامذة السوريين، أصدر وزير التربية السابق الياس بو صعب، في27/11/2014، قراراً حمل الرقم 1104، اشترط فيه أن يكون الدفع مركزياً ومحصوراً بلجنة الطوارئ والأزمات في الوزارة، (اسم الوحدة المعنية في ذلك الحين)، خلافاً للعام الذي سبقه حين كانت الأموال تصل إلى المدارس عبر المناطق التربوية.
يومها، سألت «الأخبار» بو صعب عن أسباب حصر صرف الأموال بحلقة ضيقة، فأجاب أنّ «إدارة الأموال محصورة بوحدة خاصة في وزارة التربية كي لا يسرقوها، ومن يَزُرْ موقع الوزارة على الإنترنت يستطعْ أن يعثر على الأرقام والأسماء بشأن نفقات العام الدراسي، وكل قرش أين صرفناه».
رفضت وزارة التربية دفع مستحقات المعلمين من بند الاستهلاك


تجدر الإشارة إلى أن المبالغ التي ترسلها الدول المانحة (900 ألف ليرة عن كل تلميذ) كانت تحوّل في السنة الأولى لتعليم السوريين مباشرة إلى صناديق المدارس، قبل أن يُقسم المبلغ، بموجب قرار بو صعب إلى قسمين، فيخصص 240 ألف ليرة لبنانية عن كل تلميذ لصالح صندوق المدرسة لتغطية الكلفة التشغيلية الناتجة عن اعتماد المدرسة للتدريس في دوام بعد الظهر، على أن تنفق وفق أصول الإنفاق المحددة في القرار الرقم 2006/1845 بتاريخ 23/12/2006. أما الباقي (660 ألف ليرة) فتتسلمه وحدة التعليم الشامل (التي تُعنى بتعليم غير اللبنانيين) في وزارة التربية.
لكن طالما أنّ الأبنية المستخدمة هي أبنية رسمية ومعظم أفراد الهيئة التعليمية هم في ملاك التعليم الرسمي، لماذا لا يكون هناك دور للتفتيش التربوي والمالي في هذا الأمر، ولماذا لا يجري إطلاعه على القيود لا سيما أنّ المدارس هي في صلب تحقيقاته؟
مصادر المفتشية العامة التربوية أشارت إلى أنّ المفتشية طلبت من رئاسة التفتيش المركزي، في نيسان الماضي، استصدار تكليف خاص تربوي - مالي للتحقيق بالملف، لكون وسائل الإعلام تتحدث من وقت لآخر عن فقدان الأموال أو اختلاسها، وهو بمثابة إخبار يقتضي التحرك بشأنه. كذلك فإن الدراسة الأولية التي أجرتها المفتشية على كلفة التعليم في عينة من المدارس المعتمدة لتدريس التلامذة السوريين أظهرت وجود فائض مالي مجهول المصير لم يحوّل إلى صناديق المدارس.
وفي الدراسة طرح التفتيش التربوي علامات استفهام بشأن ورود أسماء صناديق مدارس في محافظة لمدارس غير موجودة في هذه المحافظة، وجرى تكرارها في المحافظات التي تقع فيها هذه المدارس سائلاً ما إذا كانت كلفتها تُحسب مرتين، لا سيما أنّ الجداول المنشورة على الانترنت في ذلك الوقت لم تذكر مجموع المبالغ المدفوعة، وبالتالي فإنّ «ضبط» مثل هذا التكرار يضع المعلومات المنشورة في خانة التشكيك، ويندرج في إطار الاستفسار والتساؤل لا في باب الاتهام.