بكلمة ظاهرها التشدد والتمسّك باستراتيجية حازمة بوجه الضغوط الأميركية، رسم خطاب الرئيس الإيراني في الأمم المتحدة خريطة طريق للوصول إلى التفاوض، أولاً، أما مضمون هذا التفاوض فهو محكوم بقاعدة «إذا أردتم أكثر فعليكم تقديم المزيد»، فيما «الصور التذكارية» تأتي في الآخر، لا في البداية. في المقابل، كان الرئيس الأميركي يزيد من عقوباته على طهران، مؤكداً عدم التجاوب مع شرط طهران التخلي عن «الحرب التجارية» باباً وحيداً يوصل إلى التفاوض.تؤكّد طهران معادلتها لحل الأزمة مع الولايات المتحدة، وهي على القاعدة التي رسم خطاب الرئيس حسن روحاني في الأمم المتحدة معالمها: لا تفاوض تحت الضغط، ولا شيء بالمجان، لأن العقوبات لن تليّن الموقف الإيراني، بل ستزيده صلابة. هذه خلاصة كلمة الرجل، المتضمنة مبادرتين: واحدة للمفاوضات، وأخرى للأمن الإقليمي. في المفاوضات، أغلق روحاني كل الطرق المؤدية إلى مفاوضات لا توازيها مبادرة أميركية للتراجع عن العقوبات: «ردنا على مقترح التفاوض في ظل الحظر هو الرفض». ودعا واشنطن إلى عدم الرهان على نتيجة للعقوبات، أو طريق أخرى للوصول إلى اتفاق، قائلاً: «صمد شعب إيران وحكومتها لمدة عام أمام أقسى أنواع الحظر، ولن يتفاوضا أبداً مع عدو يريد دفع إيران إلى الاستسلام باستخدام سلاح الفقر والضغط والعقوبات».
أعلن بومبيو فرض عقوبات على شركة صينية لاتهامها بـ«نقل نفط من إيران»


وجدد روحاني قبوله بتعديل الاتفاق النووي، بعبارات أخرى، إذ نوّه بموقف المرشد علي خامنئي وقال: «إن أردتم رداً إيجابياً، فإن السبيل الوحيد للحوار هو العودة إلى التعهدات. إذا كانت لديكم حساسية تجاه اسم الاتفاق النووي، فعودوا إلى روح هذا الاتفاق وتعهدوا بسياق قرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن. كفوا عن ممارسة الحظر لكي ينفتح طريق الحوار». ولمّح إلى ما يمكن أن تتضمّنه المفاوضات، وقال: «إن رضيتم بالحد الأدني فسنكتفي نحن أيضاً بالحد الأدنى، فالاتفاق النووي يمثل لنا ولكم الحد الأدنى، لكن إن كنتم تريدون الأكثر، فيجب عليكم أن تعطوا المزيد». ولعل هذا من أهم ما تضمّنه خطاب الرئيس الإيراني، الذي اتسم بالشدة والتوازن في آن واحد، إذ إنه بهذا الطرح يلمح للمرة الأولى إلى أن بلاده لديها أيضاً مطالب في المقابل، وهي خاضت الاتفاق النووي على قاعدة «الحد الأدنى» فقط، من دون أن يوضح إذا ما كان المقصود فقط التفاصيل المتعلقة بالملف النووي، دون القضايا التي لها صلة بالإقليم والبرنامج البالستي. وهنا زاد روحاني بالقول: «إن كنتم مصرين على كلمتكم بأن لديكم مطلباً واحداً من إيران، وهو عدم إنتاج السلاح النووي واستخدامه، فهذا يتحقق من خلال فتوى قائد الجمهورية، فضلاً عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة».
بهذه التصريحات ثبّت روحاني موقف بلاده ورسم خريطة الطريق للتعاطي مع الحملة الأميركية، معتبراً أن «الصورة التذكارية» في إشارة إلى لقائه بترامب، هي «آخر محطة للتفاوض وليست بدايته». موقف بات واضحاً تقدّمه خطوة مع فتح باب التفاوض، وإن كان هذا الباب توصل إليه الطريق الإيرانية حصراً، أي رفع العقوبات والحوار من داخل «5 + 1» لا بشكل ثنائي، وهو ما لا يزال يصرّ ترامب على رفضه عبر التمسّك بسياسة الضغوط.
وترجمت واشنطن أمس إصرارها على سياسة العقوبات، عبر فرض المزيد منها، إذ أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو، فرض عقوبات على شركة صينية لاتهامها بـ«نقل نفط من إيران»، وقال بومبيو: «نقول للصين ولجميع الدول: عليكم أن تعلموا أننا سنفرض عقوبات على أي خرق لعقوباتنا».
من جهة ثانية، تمسّك روحاني بموقف رفض الحماية الأجنبية للمنطقة، محذراً من أن الأمن الإقليمي في خطر، ومعتبراً أن «الأمن والسلام في الخليج الفارسي وبحر عمان ومضيق هرمز يتحققان عبر مشاركة دول هذه المنطقة، إذ هي كفيلة بضمان التدفق الحر للنفط وسائر موارد الطاقة، بشرط أن نعتبر الأمن مظلة شاملة لكل الدول وفي كل المجالات». وأطلق مبادرة في هذا الإطار باتجاه دول الجوار سمّاها مبادرة سلام هرمز»، داعياً إلى الدخول في ما سمّاه «تحالف الأمل» القائم على «احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم المساس بالحدود الدولية، والتسوية السلمية لكافة الخلافات، ورفض التهديد باستخدام الضغط أو اللجوء اليه، وأهم من هذه كلها مبدآن أساسيان، هما: عدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعض».