صورٌ صادمة لأرضية ملعب بيروت البلدي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، حيث اختفى العشب الأخضر وعاد الملعب سنواتٍ إلى الوراء، وبات جليّاً أنه لا يستطيع استضافة المباريات والبلاد على أبواب انطلاق الدوري اللبناني لكرة القدم.العودة إلى شباط الماضي تعيد صوراً كثيرة للمشجعين الذين تقاطروا إلى الملعب لمتابعة مباريات فريق الأنصار الذي صنع مجداً هناك في البلدي قديماً. مشجعون لم يكترثوا إذا ما كانت الحمامات المهملة والمدرجات المتّسخة قد تبدّل حالها، ولم يهتموا إذا ما كانوا سيجدون مكاناً يركنون فيه سياراتهم أو دراجاتهم النارية، إذ أن الفرحة الكبرى لديهم كانت متابعة مباراة على مساحة خضراء، فهذا أفضل الممكن استناداً إلى الفترة التي بقي فيها الملعب مهجوراً، وطبعاً استناداً إلى نوعية وحال التربة التي زُرع العشب فيها بعد سنواتٍ طويلة من الإهمال.
الاتحاد اللبناني لكرة القدم بدوره كان سعيداً بلا شك بعودة النشاط إلى الملعب الثاني في العاصمة، حيث وجد فيه حلّاً مهمّاً لمشكلة توزيع المباريات على الملاعب، خصوصاً تلك الخاصة بالفرق البيروتية، فملعب صيدا البلدي كان قد أنهى خدمته ووضع نفسه خارج التداول، وبالتالي جاء ملعب بيروت ليحلّ أزمة فعلية.
لكن المشكلة قد تتجدّد في ظلّ الوضع الحالي للملعب الذي من المفترض أن يستضيف 6 مباريات خلال 11 مرحلة في الدوري اللبناني، أي أن أكثر من نصف مراحل الذهاب سيتواجد فيها الملعب على برنامج الاتحاد.
والصور التي تمّ تناقلها والتُقطت برّاً وجوّاً تترك تصوّراً وكأنّ الملعب هُجر منذ سنوات طويلة، لكن من يعرف مدى العناية التي يتطلبها العشب يدرك أن أياماً قليلة من الإهمال يمكن أن تقضي عليه وتجعل الأرضية غير صالحة للاستعمال. وهذا ما حصل تماماً في حالة ملعب بيروت البلدي، ولو أن الأسباب تتعدّد في حالته لما أصابه.
وبحسب معلومات «الأخبار» من مصدرٍ خاصّ ومتابع للتفاصيل المتعلّقة بوضع الملعب، فإن المشكلة بدأت عملياً مع نهاية عقد المتعهد الخاص ببلدية بيروت، وهو المسؤول عن صيانة مرافق عدة في العاصمة، وذلك في موازاة عدم التعاقد مع متعهّد جديد، ما أثّر سلباً على وضع مساحات خضراء مختلفة في العاصمة ومنها الملعب البلدي. وإذ لا يوجد أي موظفين رسميين مرتبطين بالملعب بدا الاهتمام به أقل، وما زاد الطين بلّة ما حصل في موازاة هذه الحالة مع العطل الذي أصاب مضخة المياه.
يمكن أن يكون الملعب جاهزاً لاستضافة المباريات في منتصف الشهر المقبل


ويشرح مدير الملعب أحمد الربعة في اتصالٍ مع «الأخبار» الوضع بقوله: «عملية عدم ريّ الملعب بالشكل المطلوب كانت مدتها 10 أيام، وهي مدة كافية لتحوّل صورته إلى هذا الشكل، وذلك في وقتٍ كانت تتمّ فيه العملية بطريقةٍ بدائية بانتظار وصول مضخة جديدة هذا الأسبوع، ما سيمكّننا من إعادة العمل بطريقة طبيعية وتجهيز الملعب بأسرع وقتٍ ممكن لاستضافة المباريات». ويوضح: «إذا ما أردنا صيانة الملعب بشكلٍ مثاليّ سيكون علينا الانتظار حتّى نهاية مرحلة الذهاب تقريباً لوضعه قيد التداول، لكننا الآن سنعمل بشكلٍ سريع ليكون جاهزاً في منتصف الشهر المقبل بالنظر إلى الحاجة إليه».
ومن دون شكّ بعد رؤية الملعب بهذا الشكل، عاد القلق القديم حول بقائه مع الكلام الدائم عن توجّهٍ لهدمه وتشييد مشروع تجاري ـ استهلاكي أو موقف للسيارات مكانه. مشروع كان قد توقّف لأسبابٍ عدّة، ليطلّ محافظ المدينة القاضي زياد شبيب ويعلن إعادة إحياء الملعب بعد إصراره على عدم التفريط به، وخصوصاً بعدما بدا قريباً من كرة القدم بحكم دعمه لنادي الراسينغ ومتابعته لمباريات الأندية البيروتية عن كثب.
شبيب أيضاً أوضح لـ«الأخبار» أن الملعب ليس متروكاً «بل إن ظروفاً معيّنة أدّت إلى ما وصل إليه الوضع الحالي، لكن فور إبلاغنا بهذا الوضع عملنا على اتّخاذ إجراءات سريعة لبدء عملية صيانة الملعب والحفاظ عليه». ويضيف: «تمّت الاستعانة بفوج الإطفاء لريّ الأرضية على أن تتم تهيئتها لزراعتها من جديد، وسنعمل أيضاً في المرحلة المقبلة على تأمين المستلزمات اللوجستية والبشرية لكي لا يكون هناك أيّ نقصٍ من هذه الناحية».
ويرفض شبيب الغوص في مسألة الصراع القائم بين وجهتَي نظر حول إبقاء الملعب أو هدمه، مكتفياً بالدعوة إلى إيلاء العناية به، لأنه نقطة جامعة للبنانيين حيث تتقاطر الفرق من كلّ المناطق لخوض المباريات على أرضه.
وعلى خطّ العمل لإعادة تأهيل الملعب لكي يستقبل المباريات، زار رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني الملعب قبل أيام للوقوف على وضعه، ووضع خطّة لإعادة تأهيله.
لكنّ الأمر الواضح بالنسبة إلى الجميع هو أن أيّ حالة يبدو عليها الملعب طوال بقائه هي من مسؤولية بلدية بيروت التي يُعدّ الملعب تحت سلطتها وحُكماً ضمن «أملاكها»، لذا لا يملك مجلس إدارة أو مصلحة تديره على غرار ما هو الحال عليه في مدينة كميل شمعون الرياضية. وهنا يكمن الخوف، إذ ذكر مصدر بلدي لـ«الأخبار» أن الدائرة الداعية إلى هدم الملعب لا ترى جدوى لصيانته وهي غير متحمّسة أصلاً لأيّ عملية لتحسين وضعه، ولا تزال تطرح إلغاءه بجديّة وإصرار لمصلحة مشروع لن يجذب ويخدم سوى أبناء المنطقة، أي أن دائرة احتضانه للبنانيين ستضيق كثيراً، وهو أمر بالتالي لا يلتقي مع اسمه والهدف من إنشائه، فهو في نهاية المطاف يحمل اسم العاصمة بيروت أي أنه لكلّ أبنائها وأنديتها.
إذاً بين الصيانة والتحديث، وربما إدخال شريك من أهل اللعبة لإدارة البلدي ضمن شروطٍ محددة وضمانات ثابتة، سيبقى الملعب بين الحياة والموت رهناً بمصيره غير المعروف وصورته غير الثابتة اللون، كما هو حال غالبية الملاعب اللبنانية المفترض أن تكون الأرض المثالية والخصبة حيث تُزرع المواهب وتزهر نجوماً في ميادين كرة القدم.