قرار وزيرة الداخلية ريا الحسن، بالتنسيق مع وزير البيئة فادي جريصاتي، السماح لأصحاب المقالع والكسارات الواقعة في منطقة بيت جعفر بنقل الستوك المتراكم، والطلب من القوى الأمنية منع العمل داخل الكسارات وإغلاقها بالشمع الأحمر، تُرجم هجمةً غير مسبوقة من التعديات تستخدم فيها أقوى أنواع المتفجرات التي تسمع أصواتها الى مناطق بعيدة، في سباق مع الزمن لمراكمة مزيد من الستوك قبل اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بتطبيق المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات.الرعب من المخطط التوجيهي شرّع أيضاً جرود منطقة الضنية لفوضى شاملة. كارثة بيئية حقيقية وقعت في الأيام الأخيرة على الحدود بين عكار والضنية، بدءاً من وادي جهنم الذي يضم ثمانية مواقع (مرامل ومقالع) وصولاً إلى بلدة جيرون (الواقعة على مثلث عكار - الضنية - الهرمل) التي يحاصرها ما لا يقلّ عن أربعين مقلعاً وكسارة (تعمل على مدار 24 ساعة) أدت الى استباحة أجمل الغابات والمواقع الأثرية التي تضمها المنطقة، وإطاحة غابات اللزاب، خصوصاً من نوع «برو» النادر الذي اشتهرت به منطقة جيرون. المجازر البيئية تطال أيضاً وادي سري، أحد أجمل الأودية الذي تحوّل بكامله الى كسّارة ضخمة ولم يتبقّ منه إلا بعض من أشجار الصنوبر والشوح. فلتان الكسارات ينسحب ويستمر صعوداً حتى جرد مربين على ارتفاع 1800 متر، حيث تنتشر مرامل تتداخل مع الأراضي الخاصة المشهورة بزراعة التفاح والإجاص. وعلى النحو نفسه، بات الجرد المشترك بين محافظتي الضنية وعكار مستباحاً أمام فوضى المقالع والكسارات «تحت أعين القوى الأمنية وبتغطية سياسية مباشرة من نواب وفاعليات الضنية»، بحسب أحد البيئيين في الضنية، مؤكداً أن «الغوص في ملكية هذه المقالع والكسارات يكشف مدى وقاحة سياسيي المنطقة وجشعهم». وتؤكد مصادر مطّلعة أن ما يجري «استباحة كاملة للدولة، إذ إن العقارات التي تقوم عليها الكسارات في جرود الضنية وعكار تعود ملكيتها الى الدولة، فيما يتقاسم نهشها أصحاب رؤوس الأموال وسياسيون من مناطق وطوائف عديدة. والأنكى أن الوزارات تعمد الى إعطاء المهل لنقل الناتج من الستوك المخالف أساساً»!
قرار البيئة والداخلية شكل غطاءً لمراكمة التعديات في جرود عكار والضنية والهرمل


رئيس «مجلس البيئة» أنطوان ضاهر لفت الى أن «قرار وزيري الداخلية والبيئة السماح للشاحنات بنقل الستوك من كسارات بيت جعفر غير الشرعية، أدى الى فلتان الملقّ، لأن أصحاب الشاحنات شركاء لأصحاب الكسارات، ويشتركون معهم في جريمة قضم غابات عكار والهرمل النادرة وتهجير السكان... وهذا القرار شكّل غطاءً لمراكمة التعديات في جبال الضنية وأوديتها أيضاً». ولفت الضاهر إلى أن المدعي العام البيئي غسان باسيل «لم يتخذ لغاية اليوم قراراً جريئاً من شأنه وضع حدّ للفلتان الحاصل». وسأل: «ألم يحن الوقت بعد للإفراج عن مئات الادعاءات التي ترفع له؟ وكيف يمكن التساهل مع أصحاب المقالع والكسارات غير المرخصة، علماً بأن هذه يستحيل تسوية أمورها قانونياً لعدم وجود أي مستند يثبت ملكية أصحابها للعقارات التي تقوم عليها، كونها جميعاً تقع في الملك الجمهوري».
مصادر مطّلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن فريقاً من وزارة البيئة كشف أخيراً ميدانياً على المقالع والكسارات في جرد مربين ووادي سري وبقرصون، وتبيّن أن «حجم التعديات يفوق بثلاث مرات تلك الموجودة في بيت جعفر على الحدود مع محافظة عكار، وأن الكسارات العملاقة تعمل في هذه المناطق من دون حسيب أو رقيب وتستبيح أجمل المواقع البيئية».