«عرس معراب» يُربك الحريري وفرنجية ويوتّر برّي وجنبلاط
السؤال الأساسي اليوم يتمحور حول هوية الجهة الإقليمية أو الدولية التي غطّت سمير جعجع في قراره ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. عارفو جعجع يجيبون عن السؤال بما لا يقنع الكثير من أهل السياسة. يقولون إن جعجع أجرى قراءة للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، ورأى متغيرات، فقرر المبادرة، بلا غطاء إقليمي أو دولي. في الداخل، لم يعطه آل الحريري شيئاً مقابل كل ما أعطاهم إياه طوال السنوات العشر الماضية. كان سعد الحريري يتخلى عنه عند كل منعطف، ليتوّج هذه «التجارب المريرة» بترشيح سليمان فرنجية إلى الرئاسة. أما في الإقليم والعالم، فيرى جعجع بوضوح سقوط الرهان على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. أضيف إلى ذلك الحضور الروسي المباشر في سوريا، والاتفاق النووي بين أميركا وحلفائها من جهة، وبين إيران من الجهة الأخرى. كان جعجع يراكم الخسائر في محوره، فقرر فتح ثغرة في الجدار مع خصومه.
يرى رئيس حزب القوات أن خطوة ترشيحه عون إلى الرئاسة ستمنحه حضوراً كبيراً في «البيئة المسيحية»، وتنزع عنه الصفات السيئة التي ورثها من تجربته في الحرب الأهلية. كذلك، تلامس خطوته «الشعور العميق بضرورة توحيد الصفوف في زمن تغيير الخرائط». أدار الحريري ظهره لجعجع، فوجد الأخير نفسه محشوراً في الزاوية: من سيخسر أكثر من خطوته؟ الحريري حطّم تحالف 14 آذار بدعمه فرنجية، فقرر جعجع الهرب إلى الأمام في «خطوة محسوبة». دعم عون يمنح غريمه السابق دعم شريحة واسعة من الجمهور المسيحي، تعوّضه خسارة «جمهور تيار المستقبل» الذي لم «يُقَرَّش». في أي انتخابات نيابية مقبلة، سيحوّل التحالف بين القوات والتيار الوطني الحر جعجع من «ملحقٍ» بتيار المستقبل، إلى حاجة للحريري. يمكن أي تحالف من هذا النوع أن يفوز بغالبية المقاعد المسيحية، حتى ولو أجريت الانتخابات وفق أسوأ قانون انتخابي (قانون الستين مثلاً). في المحصلة، ما قام به جعجع أمس يولّد له ربحاً صافياً، سواء أتمكّن عون من الفوز بكرسي بعبدا، أم لم يحقق ما يصبو إليه.
آخر محاولة سعودية لثني جعجع عن ترشيح عون كانت قبل يومين

منذ يوم أمس، بات جعجع لاعباً في السياسة، بعدما ظلّ هامشياً طوال عشر سنوات. وتؤكّد المصادر أن السعودية وتيار المستقبل حاولا ثني جعجع عن خطوته، وآخر المحاولات جرت ليل أول من أمس، باتصال من مسؤول سعودي رفيع المستوى، إلا أن جعجع أصرّ على موقفه. أما عون، فحظي ببساطة بما تحدّاه الحريري وفرنجية في الحصول عليه سابقاً: دعم مسيحي وحظوظ للوصول إلى قصر بعبدا.
وكيف سيُتَرجَم «عرس معراب» رئاسياً؟ خطوة أمس أعادت خلط الأوراق الرئاسية، وزادت من حدة الانقسام داخل فريقي الانقسام التقليدي، 8 و14 آذار، لكن من دون أن يعني ذلك انطلاق قطار الانتخابات الرئاسية. في 8 آذار، كان حزب الله على علم بما يدور بين عون وجعجع. كان الوزير جبران باسيل يتولى وضع قيادة الحزب في صورة ما يجري على خط الرابية ــ معراب. ورغم أن أي بيان أو موقف لم يصدر عن حارة حريك، فإن مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار أكّدت أن حزب الله يرى مرشّحه للرئاسة أقرب من أي وقت مضى إلى قصر بعبدا، رغم أن المخاض الرئاسي سيطول. كذلك، يرى الحزب أن تيار المستقبل سيرضخ في النهاية، وسيؤيد ترشيح عون.
في عين التينة، لم يكن المشهد الصادر من معراب مريحاً. تقول مصادر الرئيس نبيه بري إن «تطويب جعجع زعيماً للمسيحيين من خلال ترشيح عون بهذه الطريقة أتى بعد اتفاق سياسي بين الرجلين، ولا يمكننا إصدار موقف قبل الاطلاع على تفاصيل الاتفاق. لكن في جميع الأحوال، نحن نؤيد سليمان فرنجية، ولا يراهننّ أحد على أن حزب الله سيغيّر رأينا، وقيادة الحزب تعرف ذلك. وإذا أراد فرنجية الانسحاب، فسنسعى إلى إقناعه بالاستمرار في السباق».
فرنجية بدا متوتراً أمس، بحسب مصادر قريبة منه. وتوتره ناتج من مضمون الحدث المعرابي، ومن الشكل. في المضمون، يرى أن حظوظه الرئاسية تتراجع. أما في الشكل، فأزعجه أن «حليفه» الجنرال ميشال عون لم يبلغه بما كان يجري إعداده إلا صباح أمس، عندما اتصل به باسيل ليخبره أن جعجع سيرشح عون مساءً. ولهذا السبب، قالت المصادر، صدر عنه ما صرّح به بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، حين قال: «ما زلت مرشحاً، ومن يريدني يعرف عنوان منزلي». وعلمت «الأخبار» أن باسيل بصدد زيارة فرنجية قريباً. ولفتت مصادر مطّلعة على تفاصيل المفاوضات السياسية إلى أن فرنجية محرج، لأنه سبق أن قال إنه سيدعم ترشيح عون إن كانت للأخير حظوظ. وما جرى أمس يرفع من حظوظ عون. أما المُحرَج الثاني، للسبب ذاته، فهو الحريري، الذي قال لعون في أثناء تواصلهما، إنه سيؤيده إذا حظي بترشيح مسيحي. وها هو عون يحوز دعم الأكثرية المسيحية، وبغطاء كنسيّ.
في 14 آذار، لا يبدو الوضع أفضل حالاً. مصادر الكتائب التي أعلنت الصمت حتى الخميس المقبل، قالت إن «سياسة النكايات لا تنفع من أجل تحييد لبنان. لماذا اتخذ جعجع هذا الخيار في هذا التوقيت؟». وهي تؤكد أنه «إذا كان الهدف وراثة الشارع المسيحي، فهم مخطئون، لأنه لا أحد يقدر على ذلك. نورث قطعة أرض وليس أشخاصاً ينتخبون بحرية». في الشكل، تشير المصادر الكتائبية إلى أن «حزبنا يعمل بشكل أساسي من أجل الإجماع المسيحي، ولكن لا يمكن طرفين اثنين أن يختزلا الصورة ويشبها نفسيهما بالثنائية الشيعية، لأنهما لا يُمثلان كل الشارع المسيحي». في النتيجة، بالنسبة إلى الكتائب «الصورة مش واضحة».
ولعل منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، أفضل من عبّر عن واقع فريقه، بعدما لم يعد في مقدوره سوى «التحذير». وموعده أمس كان مع التحذير من اصطفاف إسلامي يقابل «الاصطفاف المسيحي» في معراب. وتوقّع سعيد أن يرفض حزب الله ترشيح عون، «ليتّجه البلد نحو إعادة توزيع للسلطة ومؤتمر تأسيسي». انطلاقاً من هنا، يجد سعيد أنّ «عودة اللبنانيين إلى طوائفهم ــ واعتبار أن المسيحيين يملكون اختصاص إيصال رئيس ماروني إلى الرئاسة الأولى، والسنّة يعينون رئيس الحكومة، والشيعة يقررون من هو رئيس مجلس النواب ــ خطوة أكيدة باتجاه الاختلاف اللبناني ـ اللبناني». يرى سعيد أنّ المطلوب «رصّ الصفوف وإعادة فرز لبنان على قاعدة سياسية وليس طائفية».
النائب وليد جنبلاط، المتوتر أيضاً، أعلن أمس أنه سيعقد اجتماعاً لكتلته اليوم لتحديد موقف من الحدث. وقالت مصادر قريبة منه إنه يرى في «اتفاق الموارنة خطراً أكبر من اختلافهم». وتوقّعت المصادر أن يؤجّل الاجتماع بانتظار تبلور صورة أوضح لما جرى.
وماذا عن الحكومة؟ كيف سيؤثر حدث أمس بمشروع إعادة تفعيل عملها؟ تتوقع مصادر الرئيس بري تصلّباً إضافياً في موقف الكتائب والرئيس السابق ميشال سليمان المعارضين لتسوية تمنح عون ما يريده في التعيينات الأمنية والعسكرية. وتضيف المصادر: «بصرف النظر عن موقفنا الرئاسي، الرئيس بري مستمر في مسعاه. واليوم سيلتقي الوزير علي حسن خليل النائب سامي الجميّل لمحاولة إقناعه بالمضي بالتسوية، كذلك سيزور سليمان للغاية نفسها، أي محاولة تلبية مطالب ميشال عون!».
(الأخبار)