في ظلّ وساطة إثيوبية تبدو آيلة للانهيار، يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد منذ يوم الجمعة الماضي لرأب الصدع بين المجلس العسكري وتحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، بعد مجزرة فضّ الاعتصام الإثنين الماضي، يُخيّم شللٌ على الحياة العامة في السودان، مع بداية أسبوع العمل صباح أمس، حيث انطلق أول أيام العصيان المدني الذي دعا إليه قادة الحراك الشعبي لإسقاط المجلس العسكري، بتجاوب كبير من المؤسسات العامة والوزارات والقطاعات الحيوية في الدولة، فضلاً عن أغلب مؤسسات القطاع الخاص المصرفية والخدمية. ومن المُقرّر ألا ينتهي العصيان الشامل إلا بقيام حكومة مدنية وبإذاعة «بيان تسلم السلطة» عبر التلفزيون السوداني، وهو ما لا يُبدي «العسكري» استعداده له حتى الآن، بالنظر إلى تجاهله شروط قوى «الحرية والتغيير» للعودة إلى طاولة المفاوضات، ومن بينها الاعتراف بوزر الجريمة وتأليف لجنة تحقيق دولية لبحث ملابساتها، ورفع الحصار وسحب المظاهر العسكرية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وحماية الحريات العامة وحرية الإعلام، ورفع الحظر عن خدمة الإنترنت.
يعمل «العسكري» في عدة اتجاهات، سياسياً وعلى الأرض، لإفشال العصيان

وبينما أصدر «تجمع المهنيين السودانيين» بياناً بـ«الجدول الثوري الأسبوعي»، لـ«استكمال الإضراب ومواصلة العصيان حتى إسقاط المجلس وميليشيات الجنجويد»، مُتوِّجاً إياه بمواكب في الأحياء والمناطق باسم «مواكب الشهداء» يوم الجمعة المقبل، يعمل «العسكري» في عدة اتجاهات على الأرض لإفشال العصيان: أولاً من خلال حملة قمع تلت مجزرة الاعتصام، تستهدف متظاهرين يحاولون نصب حواجز في الطرقات، ليرتفع عدد القتلى منذ المجزرة إلى 118، آخرهم أربعة أمس (أحدهم في مدينة الخرطوم بحري، وثلاثة في مدينة أم درمان)، قتلوا برصاص قوات «الدعم السريع»، التي يرأسها نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، المُلقّب بـ«حميدتي»، وثانياً بحملة اعتقالات طالت عدداً من الموظفين بسبب مشاركتهم في الإضراب، من بينهم موظفون في شركة الكهرباء وبنك السودان ومطار الخرطوم، بعدما كان «حميدتي» قد هدّدهم بالطرد من وظائفهم الأسبوع الماضي، إضافة إلى حملة اعتقالات طالت قادة العصيان المدني، مثل القيادي في قوى «الحرية والتغيير» محمد عصمت، أحد قادة الإضراب في بنك السودان، عقب اللقاء الذي جمع قادة التحالف المعارض مع الرئيس الإثيوبي مباشرة في الخرطوم، والأمين العام لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح عقار» خميس جلاب، والمتحدث باسم الحركة مبارك أردول، وثالثاً إغلاق المشافي الحكومية والخاصة، بهدف توليد وضع كارثي يقلب الرأي العام، ويُمثل تهديداً مباشراً لحياة المرضى والمصابين، بينما يحرص قادة الحراك على استثناء بعض الخدمات من العصيان، مثل الكهرباء والمياه، وأقسام الطوارئ في المستشفيات، إضافة إلى استثناء البقالات الصغيرة والمخابز في الأحياء السكنية.
أما سياسياً، فيستمر «العسكري» في محاولة التملص من الجريمة داخلياً وخارجياً: أولاً من خلال الترحيب بالوساطة الإثيوبية وتوجيه دعوة «مختلّة» إلى قوى «الحرية والتغيير» للدخول في مفاوضات، كما وصفها رئيس حزب «المؤتمر السوداني»، القيادي في قوى «الحرية والتغيير» عمر الدقير، في ظلّ «حملة اعتقالات واسعة ضد الناشطين والسياسيين… ومحاولة للقفز على دم الشهداء». ثانياً، عبر السعي لطيّ صفحة جريمة الاعتصام بلجنة تقصّي حقائق، ألّفها النائب العام الوليد محمد، بحسب ما أعلنت «المفوضية القومية لحقوق الإنسان» (رسمية)، لا يثق بها قادة الحراك الذين يطالبون بلجنة تحقيق دولية، كما سبق أن أكد نائب رئيس حزب «الأمة»، إبراهيم الأمين، في ظلّ استمرار العسكر في رفض تحمل مسؤولية الهجوم وتبريره في آن واحد، تارة بأنه استهدف «بؤرة إجرامية» بجوار مقر الاعتصام، قبل أن تتطور الأحداث ويسقط قتلى من المعتصمين، وتارة أخرى بالزعم أن «هناك من ينتحل شخصية أفراد الدعم السريع ويروّع المواطنين»، واتهام قوى «الحرية والتغيير» بالوقوف وراء أولئك العناصر بهدف نسب جرائمهم إلى قوات «حميدتي» لتشويه سمعتها. وبينما لم تَنْطلِ هذه الحجج على المحتجين، أعلن المجلس إعفاء مدير دائرة الاستخبارات في «الدعم السريع»، اللواء محمد عبد الله، من منصبه، وتعيين العميد مضوي حسين خلفاً له، من دون ذكر الأسباب.