جوبا | اتسمت زيارة رئيس «المجلس العسكري الانتقالي»، الفريق عبد الفتاح البرهان، لعاصمة جنوب السودان، أمس، بالغموض، إذ جاءت مفاجئة وبلا أجندة، ولم تختتم بأي تصريحات، علماً أنها الأولى من نوعها لجوبا.وقد فسّر محللون الزيارة بأنها تهدف إلى تسويق فكرة «المجلس العسكري» بإقامة انتخابات مبكرة في السودان، بعدما وصل التفاوض بينه وبين قوى «إعلان الحرية والتغيير» إلى طريق مسدود، في ظلّ تمسك المجلس بغالبية أعضاء «مجلس السيادة» المقترح، إلى جانب توليه منصب الرئيس.
ويحاول البرهان أن يحصل على دعم من الإقليم لمشروعه الجديد. وتأتي زيارته لجوبا لثني الرئيس سالفا كير مَيارديت عن مطالبته بتسليم السلطة لحكومة مدنية، باستخدام أوراق النفط والجماعات المسلحة، وهي الأوراق نفسها التي كان يستخدمها الرئيس المخلوع عمر البشير ضد جنوب السودان. وقال مصدر حكومي مطّلع على تفاصيل الزيارة لـ«الأخبار» إن زيارة البرهان تهدف إلى تسويق مقترح إقامة انتخابات مبكرة، مضيفاً أن الزيارة «في هذا التوقيت، إنما تهدف إلى محاولة إقناع جنوب السودان بالالتحاق بركب الثورة المضادة، والتراجع عن موقفه الداعي إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية». وتابع: «يبدو أن البرهان يريد استخدام أوراق البشير القديمة، مثل ملف النفط وإيواء الجماعات المسلحة التي تحارب حكومةَ جنوب السودان». وكانت الحكومة السودانية بقيادة الرئيس المخلوع، عمر البشير، قد رعت مباحثات السلام بين الحكومة والحركات المسلحة في جنوب السودان، التي انتهت بتوقيع الأطراف المتحاربة على اتفاق سلام العام الماضي. وهو دور طمأن «العسكري» حكومة جنوب السودان إلى أنه سيستمر في أدائه.
يحاول البرهان تلافي عقوبات الاتحاد الإفريقي التي قد تصل إلى تجميد عضويته


ويرى الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة «جوبا مونتر»، آيزك ملوال، في حديث إلى «الأخبار»، أن زيارة البرهان تأتي في إطار محاولات المجلس الاستمرار في السلطة، وعدم الالتفات إلى مطالب الشارع السوداني، معتبراً أن من مصلحة حكومة جنوب السودان أن تعمل من أجل استقرار الأوضاع في السودان، ومراعاة مصالحها المستقبلية بعيداً عن دعم «المجلس العسكري». ويقول: «أتوقع أن تكون حكومة جنوب السودان قد قامت بإبداء النصح لرئيس المجلس العسكري بأن مصلحة جنوب السودان مرتبطة باستقرار الأوضاع السياسية في السودان، وذلك من خلال حثّ المجلس على ضرورة تسليم السلطة لإدارة مدنية، لذلك انتهى اللقاء من دون أي تصريحات لوسائل الإعلام». وكانت جوبا من أولى العواصم التي اعترفت بـ«المجلس العسكري» بعد إطاحة البشير الشهر الماضي، وذلك في رسالة خطية بعث بها كير إلى البرهان عبر مستشاره للشؤون الأمنية، توت قلواك. وطالب كير المجلس، الأسبوع الماضي، بضرورة تسليم السلطة لحكومة مدنية ممثلة لقوى الشارع، وأبدى ترحيبه بنجاح الثورة السلمية في السودان.
من جهته، يرى المحلل السياسي والكاتب في صحيفة «الموقف» العربية في جوبا، فاسكو لادو، أن زيارة البرهان «تأتي في إطار محاولة المجلس حشد الدعم الإقليمي لفكرته الداعية لإجراء انتخابات مبكرة، التي تُعَدّ محاولة للالتفاف على مطالب الشارع وقوى الحرية والتغيير، والمتمثلة بتسليم السلطة لحكومة (مدنية) بتمثيل محدود للجيش في المؤسسات الانتقالية، وهو الموقف نفسه الذي دعت إليه حكومة الجنوب أخيراً، بضرورة تسريع عملية الانتقال السلمي للسلطة، خصوصاً أن زيارة البرهان لجوبا تأتي في أعقاب جولته الخارجية للدول الداعمة للمجلس العسكري». ويضيف في حديث إلى «الأخبار» أن «من الأفضل لحكومة جنوب السودان أن تتمسك بموقفها، لأن المجلس العسكري سيكون الخاسر الأول في عملية التصعيد المرتقبة من قِبَل قوى الثورة، وأن تقدم النصح للبرهان بأن استقرار جنوب السودان وتحقيق مصالحة الآنية والمستقبلية، مرتبط باستقرار الأوضاع في الخرطوم». وكان الرئيس كير قد زار الإمارات الشهر الماضي، بهدف المساهمة في تقريب وجهات النظر بين «العسكري» وقوى «الحرية والتغيير»، ولم تحرز المبادرة في حينها أي تقدم يُذكر بسبب مواقف الدول الراعية لـ«الثورة المضادة»، التي تريد أن يلبي التغيير في السودان طموحاتها هي، وليس تطلعات الشارع السوداني.
وبالنسبة إلى الصحافي في إذاعة «كابيتال» المحلية، فرانسيس ميان قرنق، فإن زيارة البرهان «تأتي في توقيت يواجه فيه المجلس العسكري ضغوطاً هائلة من قوى الثورة، خاصة بعد انقضاء مهلة الاتحاد الإفريقي، لذلك هو يريد من الدول الأعضاء في الاتحاد أن تحاول تعطيل أي قرار قد يفضي إلى تجميد عضوية السودان في تلك المنظومة الإقليمية المهمة». ويقول في حديث إلى «الأخبار» إن «الفريق البرهان يحاول تلافي العقوبات التي سيفرضها الاتحاد الإفريقي على السودان، والتي قد تصل إلى تجميد عضويته بسبب فشله في تسليم السلطة لحكومة مدنية، وانقضاء مدة الستين يوماً دونما إحراز أي تقدم. فالمجلس يواجه ضغوطاً داخلية كثيفة، ولا يستطيع معها الصمود ومواجهة تيار التصعيد ودول الإقليم، لذلك يسعى إلى خطب ود جوبا لتعطيل ذلك القرار».
ويبدو أن توقيت زيارة البرهان لجوبا يُعزز التكهنات عن عزم المجلس على الالتفاف على ثورة الشارع السوداني، من خلال الهروب إلى الأمام، والمماطلة في إجابة مطلب تسليم السلطة لإدارة مدنية. ويستخدم «العسكري» في ذلك عدة تكتيكات تسهّل عملية الالتفاف، من بينها حشد التأييد من محور «الثورة المضادة» للإبقاء على سيطرته التامة على مقاليد السلطة. لذلك، لم يفصح عن أهداف الزيارة ومخرجاتها، التي ستبقى طيّ الكتمان لبعض الوقت، قبل أن تترجم على أرض الواقع في سياساته التي سيعلنها عقب انتهاء الجولة الإقليمية.