بعد مصالحته مع الخصمين التاريخيين لـ«العونيّة»، تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، سيجد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون غداً أو بعده في معراب، أو في شارع المصارف في وسط بيروت حيث وزارة الاتصالات، من يصب عليه جام غضبه بعد اجتماعات التكتل، فيشد عصب من يحتاجون لشد عصبهم وسط مؤيديه إلى خصم.
ورويداً سيهدأ الانفعال السلبي لجمهوري قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، ويتراجع تصديقهما دعاية تيار المستقبل بأن هذه الحكومة تمثل انتصاراً لقوى 14 آذار. مع العلم أن تيار المستقبل اطلق حملة انتصاره المزعوم لرفع معنويات جمهوره، فإذا بجمهور 8 آذار يصدّقه وينهار معنوياً.
من يتمعن قليلاً في تركيبة الحكومة لا بدّ أن تستوقفه ست نقاط أساسية:
أولاً، تحقيق عون غالبية مطالبه «التعجيزية» وحصوله على «حقيبة الموارنة» السيادية، مؤكداً بذلك أنه، وليس رئيس الجمهورية، المرجعية المارونية في هذه الحكومة. ولا يمكن، في المقابل، إيجاد ردة فعل «أنكى» من رد سليمان صاع الفيتو العوني على ترشيحه القاضية أليس شبطيني لرئاسة مجلس القضاء الأعلى صاعين عبر تسميتها في اللحظة الأخيرة لتولي وزارة المهاجرين.
ثانياً، تجاوز رئيس الحكومة تمام سلام كل الخطوط الحمر التي قيّد نفسه بها. فمن كان يرفض «الدخول في بازارات ومحاصصات» أمسى ينتظر زيارات الرئيس فؤاد السنيورة الليلية لأخذ العلم بتطورات تشكيلته الوزارية. تخلى عن المداورة السياسية (في الطاقة) كرمى للعونيين، والمداورة المذهبية (في وزارة الدفاع) كرمى لسليمان، واكتفى بالبيئة بعدما كان يطالب بالداخلية والطاقة، مكتشفاً كم كان الرئيس نجيب ميقاتي محقاً في قوله إن بين واقع دولة الرئيس ومرتجاه هوة كبيرة.
ثالثاً، إمساك قوى 8 آذار بالحقائب المالية (مال وطاقة) والخدماتية (أشغال عامة وتربية) في «دولة الخدمات»، في ظل إمساكها عملياً بأمن البلد وقراري الحرب والسلم فيه أياً كان وزراء الدفاع والداخلية والأمن.
رابعاً، تقديم تيار المستقبل تنازلات مهمة: من سحبه شرط انسحاب حزب الله من سوريا للجلوس معه على طاولة واحدة وقبوله تأجيل النقاش في البيان الوزاري إلى ما بعد التأليف، مروراً بتخليه عن حقيبة المال التي كانت ثابتة مستقبلية في كل الحكومات التي شارك فيها، وعن الطاقة التي تمثل محور اهتمام شركات النفط الأجنبية (بكل نفوذها في دولها)، وعن الخارجية بعد تجربة الوزير عدنان منصور.
خامساً، تشكيل حكومة للمرة الأولى من دون موافقة سورية كما أوحت مصادر سفارة اليرزة في الأيام القليلة التي سبقت إعلانها. ويجمع زوار دمشق على التساؤل عما تغير حتى يوافق حزب الله والعونيون على تشكيل حكومة بالتوافق مع الحريري الذي أججوا بإسقاط حكومته الحقد السعودي الدفين على الرئيس السوري بشار الأسد. ورغم موقف النائب سليمان فرنجية المؤيد لتشكيل الحكومة، لا يبدو جزء مهم من حلفاء سوريا مقتنعاً بمنح الحريري صك براءة من دماء السوريين واللبنانيين الذين قتلهم الإرهاب في العامين الماضيين. ويفترض بعض النظام السوريّ أن إعادة الحريريين إلى السلطة قبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية وانطلاق المفاوضات السعودية ــــ الإيرانية الآتية لا محال، يتيح للسعوديين الانطلاق في التفاوض في الملف اللبناني من وجود المستقبل في السلطة وليس انطلاقاً من الثمن الذي يتعين على السعوديين دفعه لإعادة الحريريين إلى السلطة.
سادساً، عدم حساب السياسيين أي حساب للرأي العام عبر اختيار الوزراء المناسبين ولو في الشكل للحقائب المناسبة. وشاعت افتراضياً، في اليومين الماضيين، نكات كثيرة عن اختيار ضابط لوزارة العدل ومحام للشؤون الإجتماعية وعميد متقاعد للشباب والرياضة وإعلامي للعمل، وأرمني للطاقة التي تتكل كهرباؤها على سفن تركية، ووزير للاتصالات لا علاقة له بتطور هذا القطاع وقد يعيد العمل بالتلكس. وتكاد تقتصر الأمكنة المناسبة للوزراء المناسبين على وزارة التربية حيث الوزير الياس أبو صعب «إبن كار»، والداخلية بحكم متابعة الوزير نهاد المشنوق منذ سنوات لكل ما يرد هذه الوزارة ويشرد عن المعنيين بها، والثقافة التي لا يمكن أن تجد بين أحزاب السلطة أفضل من روني عريجي لإدارة شؤونها، والأشغال العامة التي لا تحتاج منطقة أكثر من هرمل الوزير غازي زعيتر إلى قدراتها.
أما الأهم من كل ما سبق فهو إظهار المطبخ الحريري محافظته على ذكائه وتخطيطه الخبيث لإيقاع خصوم المستقبل في حفرهم رغم اغتيال العميد وسام الحسن. فقد شغل المستقبل خصومه بكيفية حفاظ العونيين على وزارة الطاقة بداية، وفوز باسيل بالخارجية ثانياً، وتسمية المستقبل غير ريفي للداخلية أخيراً. في وقت كانوا يسمون الأكثر كرهاً في صفوفهم للعونيين (بطرس حرب)، لا ميشال فرعون، لخلافة نقولا الصحناوي في الاتصالات التي تعد الخزان التوظيفي الرئيسي للعونيين في العامين الماضيين. إذ لا يجوز في حساباتهم الانتخابية أن يظهر فرعون بمظهر المبتز للأشرفيين: حرب سيهددهم بالطرد، فيما فرعون يتوسط عنده ـــ بناء على طلبهم طبعاً ـــ لإبقائهم في وظائفهم. وتبنوا نظرية نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في ما يخص نقيب المحامين السابق رمزي جريج الذي يرضي حزب الكتائب من جهة ويتيح لقوى 14 آذار تبديل النائب نقولا غصن مستقبلاً بحكم قربهما العائلي من جهة أخرى، ويتيح لهذا الفريق تحسين وضعه انتخابياً في الكورة بحكم كورانية جريج ثالثاً. وخبأوا نيتهم الحقيقية بإسناد العدل إلى ريفي حتى اللحظة الأخيرة، موهمين خصومهم أن ريفي مرشحهم للداخلية، فما كادوا يتأكدون من إنهاكهم حزب الله عبر إظهاره بمظهر المعطل لتشكيل الحكومة، حتى قبلوا اقتراحه بتولي المشنوق الداخلية كاشفين فيما كان سلام في طريقه إلى بعبدا عن ذهاب العدل وليس الشؤون الاجتماعية لريفي. ونجح الحريريون أخيراً في إخماد كل النقمة الشعبية وسط جمهورهم على مشاركتهم في الحكومة عبر زج غالبية صقورهم في التشكيلة: أحلوا النائب الهجومي نبيل دو فريج في مقعد الأقليات محل زميله المسالم باسم الشاب. أخرجوا النائب سمير الجسر ليدخلوا ريفي. وأعطوا الحقيبة الوزارية الأهم (داخلية) لأهم نوابهم الحاليين (المشنوق)، مطعّمين التشكيلة بالوزير رشيد درباس الذي سيكتشف من لا يعرفه بعد أنه أخطر الحريريين سياسياً في التشكيلة: شكل جان عبيد ولغته، ومضمون وليد جنبلاط ونبيه بري وفؤاد السنيورة مجتمعين.
ختاماً، لا توحي التشكيلة الحكومية بوجود اتفاق سياسي يسرع كتابتها البيان الوزاري، لكنها تجزم بوجود اتفاق أمني يسمح لحزب الله بالاطمئنان إلى إمساك تيار المستقبل بوزارات الاتصالات والداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية بما تمثله من صلة وصل بين الدولة اللبنانية واللاجئين السوريين، وخصوصاً أن من دفعوا باتجاهات مختلفة لتشكيل الحكومة هم أنفسهم من ينسقون حصراً مع الجيش منذ اغتيال الحسن، ويلاحقونه بالإحداثيات لتصيد الشبكات الإرهابية. وفي حسابات هؤلاء أن أولوية حزب الله محلياً هي حماية مجتمعه (لا انتخاب رئيس جمهورية ولا إقرار قانون انتخابات نيابية) وهو ما يشجعه على مقايضة عودة الحريريين إلى السلطة بإطلاق يده أمنياً وتفعيل القوى الأمنية لقدراتها المكبوتة في مكافحة الإرهاب. حتى إشعار آخر، البند الوحيد في بيان حكومة سلام الوزاري هو نقطة التقاطع المستجدة الوحيدة بين حزب الله والمستقبل: مكافحة الإرهاب. وليس أنسب في هذا السياق من تولي المشنوق وزارة الداخلية وريفي العدل.