غزة | على غير العادة، ضجّت وسائل الإعلام العبرية، مساء أمس، بأخبار عن التوصل إلى اتفاق تهدئة بين إسرائيل وحركة «حماس» برعاية مصر والأمم المتحدة، تكون مدته ستة أشهر كمرحلة أولى، لكن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» نفتا ذلك مباشرة، وأوضحتا أنه لم يكن هناك أي اتفاقات بخلاف التفاهمات الأخيرة التي جرت في القاهرة قبل أسبوعين. يأتي ذلك بالتزامن مع شروع جيش العدو في بناء جدران وسواتر ترابية في عدد من مناطق «غلاف غزة»، في خطة لحلّ مشكلة الصواريخ المُوجّهة التي قد تطلقها المقاومة في أي تصعيد مقبل.في شأن الاتفاق، قالت «القناة الـ 12» العبرية إنه «يتضمن وقفاً لإطلاق النار من الجانبين، وتوقف أي أعمال عنف على السياج الفاصل، مع الحفاظ على «المنطقة الأمنية» العازلة لمسافة 300 متر من الحدود»، إضافة إلى «وقف فعاليات الإرباك الليلي ومسيرات البحر». وفي المقابل، تسمح إسرائيل بتوسيع مساحة الصيد إلى 15 ميلاً بحرياً، وكذلك نقل الأدوية والمساعدات المختلفة إلى غزة، وبدء مفاوضات بشأن الكهرباء والمعابر والقطاع الصحي والمالي. رداً على ذلك، نفى المتحدث باسم «حماس»، فوزي برهوم، ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، مشيراً إلى أن ما تم الاتفاق عليه عبر الوساطة المصرية والقطرية والأممية هو «وقف النار مقابل التزام الاحتلال تنفيذ التفاهمات كافة». وعلى رغم نفي الحركة الاتفاق الذي تحدث عنه الإعلام العبري، فإن الأخير نقل عن مصادره أن «المفاوضات ستستمر خلال الأشهر الستة المقبلة بشأن عدد من الملفات، وفي حال نجح الأطراف في الحفاظ على الهدوء وتطبيق البنود بسرعة ـــ كما يطالب الفلسطينيون ــــ، فسوف تُجرى مفاوضات موسّعة تشمل قضية الجنود الأسرى لدى حماس (سواء كانوا أسرى أم جثثاً)».
الحديث يدور عن حماية طريق مركزي تمر منه مئات المركبات المدنية والعسكرية يومياً


في هذا السياق، قال مصدر في «حماس»، لـ«الأخبار»، إن «الحديث الإسرائيلي عن اتفاق يبدو تغييراً لسياقات وقف النار والعودة إلى التفاهمات التي جرت في نهاية جولة التصعيد الأخيرة قبل أسبوعين»، مشيراً إلى أنه لم تجرِ خلال الأسبوع الماضي أي مباحثات، وأن «آخر مباحثات جرت بحضور قائد الحركة في غزة يحيى السنوار، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، في القاهرة». المصدر قدّر أن توقيت الإعلان أمس «له علاقة بملفات داخلية لدى (رئيس حكومة العدو بنيامين) نتنياهو الذي يخوض مفاوضات داخلية لتشكيل حكومته الجديدة»، مضيفاً أن الأخير «يريد إغلاق الطريق أمام (وزير الأمن الأسبق أفيغدور) ليبرمان في المفاوضات حول شكل الحكومة الجديدة وبرنامجها، بعدما اشترط الأخير أن يكون هناك اتفاق مسبق حول مستقبل غزة كشرط لدخول الحكومة». لكن الإعلام العبري عاد في وقت متأخر ونقل عن مكتب نتنياهو أنه «لا توجد تفاهمات جديدة... (لكن) الجهود المبذولة لإعادة الأسرى والمفقودين متواصلة بلا توقف». كذلك، نفت «الجهاد الإسلامي» حديث الإعلام العبري حول الاتفاق، مؤكدة أنه لا جديد عن الاتفاق السابق.

قلق استعادة الردع
من ناحية أخرى، كشفت المواجهة الأخيرة بين المقاومة والعدو جزءاً من القدرات العسكرية المتطورة التي باتت تمتلكها المقاومة بعد خمس سنوات على انتهاء الحرب الأخيرة عام 2014، إذ دفعت هذه المواجهة جيش العدو إلى اتخاذ احتياطات إضافية غير الجدار الأرضي الذي بدأ ببنائه منذ أكثر من عامين على طول الحدود لمواجهة أنفاق المقاومة. فهو شرع منذ نحو أسبوع في بناء جدر إسمنتية ورفع سواتر ترابية حول المناطق التي استهدفتها المقاومة أخيراً. تعقيباً على ذلك، يقول مصدر في المقاومة، لـ«الأخبار»، إن «الاحتلال يبني الجدر والسواتر في أربع مناطق شمالي القطاع وشرقيه لحجب الرؤية عن رجال المقاومة بعد تنفيذهم ثلاث عمليات إطلاق صواريخ موجهة من طراز كورنيت على آليات الجيش». ويضيف أن «الإجراءات التي اتخذها العدو دليل على حجم الضربات الموجعة التي تلقّاها، وما أظهرته المقاومة ليس سوى شيء بسيط مما تمتلكه»، مشدداً على أن «المقاومة تتابع جميع الاحتياطات التي اتخذها الاحتلال على الحدود منذ سنوات، وبات لديها من الأدوات المناسبة ما يمكّنها من تجاوز العقبات وتنفيذ ضربات كبيرة».
في غضون ذلك، قالت مصادر أخرى إن «المقاومة خلال المواجهة الأخيرة كان بإمكانها إيقاع عدد أكبر من القتلى في صفوف المستوطنين، لكنها آثرت ضرب أهداف عسكرية واستخبارية في غلاف غزة، مع أنه كان بإمكانها استهداف قطار سيديروت وحافلات وسيارات محملة بالمستوطنين». ومن هناك، شمالي القطاع، ومن المنطقة المطلة على قطار «سيديروت»، بدأ العدو بناء جدار بطول أربعة أمتار في المناطق التي تقع تحت مرأى بلدة بيت حانون، وهي المنطقة نفسها التي استهدفت فيها المقاومة سيارة للعدو قبل ثلاثة أسابيع.
في شأن متصل، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إن وضع السواتر يهدف إلى «حماية المسافرين على الطريق من الصواريخ المضادة للدروع التي تطلق من غزة»، مشيرة إلى أن «الحديث يدور عن حماية طريق مركزي تمر منه مئات المركبات المدنية والعسكرية يومياً». كذلك، كشفت الصحيفة أن الجيش سينشر قريباً هذا المشروع في جميع الطرق المكشوفة أمام النيران المباشرة في «غلاف غزة»، لكنّ مستوطني مستوطنة «شعار هانيغف» يعارضون إقامة جدار بارتفاع تسعة أمتار، لأنه يسدّ عليهم الرؤية، صارخين: «أعيدوا الردع حتى لو بالتصعيد». كذلك، قال محلل الشؤون العسكرية في «يديعوت»، أليكس فيشمان، إنه «ظهر تحدٍّ جديد في المواجهة الأخيرة بعدما طوّرت حماس طائرة صغيرة مسيرة عن بعد، تحمل صاروخاً برأس متفجر مضاد للدبابات، حاولت تدمير مركبة عسكرية تقلّ جنوداً بإسقاط صاروخ من طائرة عمودية، لكنه أخطأ هدفه».