انتهت مدة التفاوض التي حددها تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» مع «المجلس العسكري» باختراق سياسي جديد تمثل باتفاق على مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات «تخصّص الأشهر الستة الأولى منها لأولوية التوقيع على اتفاقات السلام ووقف الحرب في أرجاء البلاد كافة»، كما أعلن عضو المجلس الفريق ياسر عطا، وباتفاق على مقاعد «المجلس التشريعي» (البرلمان) تحصل فيه قوى «الحرية والتغيير» على ثلثي المقاعد، على أن تذهب البقية إلى الأحزاب غير المنضوية تحت لوائها، ليضاف التقدم الجديد، أول من أمس، إلى اتفاق سبقه بيوم على كامل هياكل المجالس «السيادي» و«الوزراء» و«التشريعي»، وصلاحياتها.يبدو الاتفاق على المرحلة الانتقالية حلاً وسطاً، بعد أن كان «العسكر» يطالبون بعامين، فيما كان قادة الحراك الشعبي يطالبون بأربع سنوات في الوثيقة الدستورية التي قدموها الأسبوع الماضي. ويبدو حصول قوى «الحرية والتغيير» على غالبية مقاعد «التشريعي» مرضياً لقادة المعارضة، لكونهم يحصلون بذلك على تمثيل رسمي للحراك في المجلس الذي يعبّر عن إرادة الشعب، عبر ما يصدره من تشريعات أو قوانين، ولا سيما في الاتجاه الذي يسعى إليه الحراك نحو نظام ديموقراطي مدني. لكن التقدم المٌحرَز في المفاوضات يقابله في الشارع تصعيد خطير تمثل بمحاولات فضّ الاعتصام بالقوة عبر أحد أذرع «المجلس العسكري»، بعد ساعات من الاتفاقين، كأنها «ضريبة» على كل تقدم من شأنه تسليم السلطة للمدنيين، ما يعقّد المشهد القائم على جبهتين: المفاوضات والشارع.
قد تحصل «قوى التغيير» على تمثيل رسمي للحراك


هو تصعيدٌ يدفع ثمنه المعتصمون أمام مقارّ الجيش في الخرطوم، فكما شنت قوات «الدعم السريع» التابعة للجيش، التي يرأسها نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، المُلقّب بـ«حميدتي»، هجوماً على ساحة الاعتصام راح ضحيته خمسة متظاهرين وضابط، عقب الاتفاق على هياكل الحكم والسلطة الانتقالية، عاد أمس وكرر الأمر عقب الاتفاق الأخير بهجوم مماثل أدى إلى إصابة 14 من المعتصمين بينهم 7 بالرصاص خلال محاولة قواته إزالة الحواجز. لكن ما يُعقد المشهد أكثر عدم تبنى «العسكري» وقوات «الدعم السريع» الهجومَين، وادعاؤهما أن هناك طرفاً ثالثاً، وصفه «حميدتي» في بيان عقب الهجوم الأول بـ«جهات ومجموعات تتربص بالثورة»، يهدف إلى عرقلة المفاوضات ومنع نقل السلطات إلى المدنيين، وهو ما ذهب إليه أيضاً القيادي في قوى «إعلان الحرية والتغيير»، مدني عباس مدني، بالقول إن «هنالك قوى ثورة مضادة بطبيعة الحال لا يسرها أي تقدم في التفاوض يفضي في النهاية إلى بدء سلطة انتقالية تقود إلى عملية تحول ديموقراطي»، وذلك بخلاف اتجاه التحالف المعارض الذي لا يزال يحمّل «العسكري» مسؤولية الهجومين.
ما سبق، يشي بأن المجلس يسعى إلى إحراق ورقة التفاوض الأقوى في يد قوى «الحرية والتغيير»، أي الشارع. هذا ما يبدو بالنظر إلى مسار المفاوضات في جولاتها الثلاث، فبعدما رفض «العسكري» في الجولة الأولى الاعتراف بقوى «الحرية والتغيير» ممثلةً عن الحراك، وحاول الالتفاف عليها بتوسيع دائرة التفاوض مع أطراف كانت مشاركة في النظام البائد، أجبر على خوض الجولة الثانية والاعتراف بتمثيله لهم بعد مسيرة مليونية سُلمت على إثرها وثيقة دستورية تمثل رؤية التحالف المعارض للمرحلة الانتقالية. وبعدما لوح قادة الحراك بالعصيان المدني إثر رفضه الوثيقة، وتأكيدهم استمرار الاعتصام وسط الخرطوم وتوسيع رقعته، خضع المجلس مرة أخرى بجولة ثالثة قدم خلالها حلولاً وسطاً بناءً على الوثيقة الدستورية. وهو اليوم يخشى الخوض في جولة رابعة تحسم فيها نسبة التمثيل في «المجلس السيادي» الذي يمثل رأس هرم السلطة لمصلحة «الحرية والتغيير»، بينما يبدو «السيادي» أكثر ما يهم «العسكري» الذي سبق أن طالب بغالبية له فيه، كما يبدي استعداده لقبول حكومة مدنية بمعظمها مقابله.