يشير البند 26 على جدول أعمال مجلس الوزراء إلى طلب وزارة الاتصالات «الموافقة على إلغاء الستين دقيقة المجانية المعطاة للمشتركين في الخطوط الخلوية اللاحقة الدفع Post Paid». وللتذكير، فإن تلك الدقائق المجانية كان مجلس الوزراء قد أقرها في عام 2014، بالتوازي مع خفض سعر الدقيقة للخطوط المسبقة الدفع.في اقتراح شقير ثقة تامة بأن هذه الخطوة «تؤمّن إيرادات إضافية للخزينة». وهذا أمر صحيح، إلا أن تقدير هذه الإيرادات هو ما ليس دقيقاً. فبحسب دراسة مقدمة من شركة «تاتش»، التي تطالب منذ العام الماضي بإلغاء الدقائق المجانية، جزئياً أو كلياً (بحسب كتاب مرسل منها إلى وزارة الاتصالات بتاريخ 27 تشرين الثاني 2018)، فإن قيمة الوفر ستصل إلى 14.2 مليون دولار عن كل شركة. إلا أن دراسة أخرى أعدتها شركة ألفا توضح أن الوفر لن يزيد على 7.8 ملايين دولار في كل شركة.

العالم يتجه إلى مجانية الاتصالات الصوتية... ولبنان يصرّ على اعتبارها أهم موارد الخزينة (هيثم الموسوي)

حتى مع اعتماد الدراسة الأكثر تفاؤلاً، يتبين أن الإيرادت قد ترتفع نحو 30 مليون دولار، فهل هذا المبلغ سيعوض انخفاض إيرادات الخلوي؟ شركة «أم تي سي تاتش» نفسها سبق أن أبلغت وزارة الاتصالات عن تراجع إيراداتها في عام 2018 نحو 200 مليون دولار، فماذا ستكون الفائدة المرجوة من استعادة 14 مليون دولار من مشتركيها؟
للمناسبة، إن مستوى تراجع الإيرادات عند «تاتش» يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة إذا ما قورن بتراجع إيرادات «ألفا» (لم يصل إلى 50 مليون دولار). علماً أن الفارق البسيط في عدد مشتركي «تاتش» لا يبرر الفارق الضخم في التراجع.
وأكثر من ذلك، إذا كانت شركة «تاتش» قد بررت اقتراحها بتراجع العائدات من خطوط الخلوي اللاحقة الدفع بـ13 في المئة خلال خمس سنوات، فإن هذا التراجع في معظمه لا يعود إلى الساعة المجانية بل إلى تغير أنماط استعمال الهاتف، والاعتماد الكبير على الاتصالات عبر الإنترنت، والتي أدت، في المقابل، إلى زيادة واردات الدولة من قطاع الإنترنت.
ليست المشكلة في التخفيض من عدمه، بل في الذهنية التي يُدار فيها قطاع الاتصالات، والإصرار على اعتباره منجم ذهب لا قطاع خدمات أولويته تأمين الخدمة الأفضل للمواطن بالتوازي مع تأمين إيرادات للخزينة. كما فات الوزارة أن الدولة اللبنانية مسؤولة عن أكبر عملية سرقة للمشتركين منذ التسعينات، حين فرض على كل مشترك دفع 500 دولار للحصول على الخط، من دون وجه حق. أضف إلى أن الساعة المجانية، إنما كانت تعويضاً بسيطاً عن قيمة الاشتراك الشهري التي يدفعها المشترك حتى لو لم يستعمل هاتفه، التي تصل إلى 20 دولاراً من دون الضريبة.
وزير الاتصالات يطلب من مجلس الوزراء استعادة الساعة المجانية من المشتركين


كل ذلك لم يأخذه وزير الاتصالات بالاعتبار. لكنه قرر الانطلاق بالقطاع عكس السير. فالعالم كله ينحو باتجاه اعتبار خدمة الاتصال الصوتي خدمة هامشية بالمقارنة مع الداتا (الإنترنت). وهو ما بدأ يُعبّر عنه بتقديم خدمة الاتصال الصوتي مجاناً مع باقات الإنترنت. لكن في لبنان، أراد وزير الاتصالات أن يحقق إنجازاً سريعاً، فاكتشف إمكانية زيادة الإيرادات من خلال سلب خدمة الدقائق المجانية، وفاته أنه هو نفسه أعلن وجود 500 موظف في الشركتين لا يعملون (علماً بأن نقابة موظفي الشركتين تنفي ذلك تماماً). وفاته أن الوزارة تتحمل المسؤولية الأكبر عن توظيفهم، كما تتحمل هي مسؤولية هدر أموال الخزينة من جراء تحكمها بالمصاريف التشغيلية للشركتين، وأصلف وجوهها عقود الرعاية التي كلفت الدولة 16 مليون دولار عام 2018، التي وزِّعت بحسب الولاءات والمصالح السياسية والانتخابية.
اللافت أن رسالة «ألفا» إلى الوزارة توضح أن إلغاء الساعة المجانية، ستحفّز المشتركين على الانتقال من الخطوط اللاحقة الدفع إلى الخطوط المسبقة الدفع (خاصة أن طلب الوزير لا يتطرق إلى التخفيض الذي لحق بأسعار الاتصال في هذه الخطوط)، بما يؤدي إلى خسارة جزء كبير من الوفر الذي يمكن تحقيقه. لكن الأهم في رسالة «ألفا»، إشارتها إلى أن هذا التغيير في سوق الخطوط الخلوية سيكون انعكاسه سلبياً على سمعة شركات الخلوي، كما على وزارة الاتصالات.