لم يتوقف تصعيد قائد قوات شرق البلاد عند إعلان توجيه مئات العربات القتالية نحو المنطقة الغربية، الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني، العاملة انطلاقاً من طرابلس، بل ألقى أمس كلمة تصعيدية بُثّت على أجهزة اللاسلكي لقواته، وبدت أقرب ما تكون إلى دقّ الساعة الصفر لانطلاق المعركة. في خطابه المشحون، الذي اطلعت عليه «الأخبار»، قال حفتر: «اليوم نزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين»، مضيفاً: «أيها الأبطال الأشاوس، لقد دقت الساعة وآن الأوان وحان موعدنا مع الفتح المبين، فتقدموا بخطى واثقة بالله، وادخلوها بسلام على من أراد السلام»، معتبراً أن هذه الخطوة تأتي في إطار الاستجابة «لنداء أهلنا في عاصمتنا الغالية كما وعدناهم، وقد بلغ الصبر المنتهى». ويبدو حفتر مصمّماً على دخول العاصمة، حتى إن تطلّب ذلك قتالاً، حيث أصدر توجيهات لمقاتليه «بألّا ترفعوا السلاح إلّا في وجه من ظلم نفسه منهم وآثر المواجهة والقتال، ولا تطلقوا النار إلّا رداً على من حمل السلاح منهم»، وأضاف، عارضاً ما يشبه الصفقة على معارضيه، إن «من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن لزم بيته فهو آمن، ومن رفع الراية البيضاء فهو آمن». هذه التوجيهات لا تخصّ فقط القوات القادمة من شرق البلاد وجنوبها، فهذه لا تزال بعيدة عن العاصمة، ويجب عليها تجاوز الكثير من العقبات لوصولها، بل تعني أيضاً القوات الموالية له في محيط طرابلس. إذ توجه وفد قبلي من المنطقة الغربية، أول من أمس، لإقناع الفاعلين في مدينتَي صرمان وصبراتة (غرب طرابلس) بعدم مشاركة حفتر جهوده العسكرية (راجع عدد أمس)، لكن تبين لاحقاً أن التعهدات التي تلقاها الوفد لم تكن إلا مناورة، حيث انتشرت أمس قوات في المدينتين وأعلنت ولاءها لحفتر. علاوة على ذلك، لم تنجح الحملة التي أُطلقت منذ فترة في مدينة غريان (جنوبي طرابلس) في تطويق أنصار حفتر، الذين شهد مساء أول من أمس اشتباكات بينهم وبين قوات حكومة الوفاق الوطني، أدت إلى مقتل شخص على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة غريان تعتبر استراتيجياً مدخلاً جنوبياً للعاصمة، حيث يمكن أن تتسرّب القوات القادمة من الجنوب عبرها نحو شمال طرابلس الذي يحوي المقار السيادية.

«الوفاق» تتوعّد... بحذر
على عكس حفتر، بدا ساسة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس أكثر حذراً. إذ أصدر رئيس الحكومة، وهو أيضاً القائد العام للقوات المسلحة، فائز السراج، توجيهاته بعدم أخذ المبادرة عسكرياً والرد على أي هجوم. وفي سلسلة من «البرقيات الفورية»، وجّه السراج جميع القوات الموالية له برفع درجة الاستعداد الى أقصاها وإعادة تمركز وحداتها، وذلك «لضمان تطبيق التعليمات واستعمال القوة إذا تطلّب الأمر، للتصدي لكلّ ما يهدد حياة المدنيين والمرافق الحيوية من قِبَل التنظيمات الإرهابية والخارجين عن القانون والشرعية (هذا المصطلح يقصد به قوات حفتر)». ولم تشمل توجيهات السراج القوات البرية فقط، إذ تشير برقية موجهة إلى «إدارة الاستخبارات العسكرية» إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات الفورية والعاجلة «بتكليف رئاسة الأركان الجوية بتنفيذ طلعات جوية، واستعمال القوة للتصدي لكلّ ما يهدد حياة المدنيين والمرافق الحيوية».
على عكس حفتر، بدا ساسة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس أكثر حذراً

وتجدر الإشارة، هنا، إلى امتلاك حكومة الوفاق مجموعة من الطائرات العسكرية، تتبع أساساً الكلية العسكرية الجوية في مدينة مصراتة (شرقي العاصمة)، وقد تم استخدامها عام 2016 في استهداف تنظيم «داعش» في سرت. أما وزارة الداخلية في طرابلس، والتي تتبع لها كبرى ميليشيات المدينة، فقد أعلنت في بيان لها أمس «رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة القصوى»، وإصدار تعليماتها لكل الأجهزة والوحدات الأمنية لـ«التصدي بقوة وشدة لأي محاولات تهدد أمن العاصمة». وأضاف البيان إن «القوات المهاجمة لا تعي حجم الخطيئة التي ترتكبها في حق الوطن والمواطن، ولا يكون بعد ذلك من سبيل إلا مواجهة هذا الهجوم الغاشم دون أدنى تردد أو مواربة».
وفي بيان مصوّر باسم «ثوار وأهالي وقيادات مدينة مصراتة»، قال ممثلو المدينة التي تحوي أكثر قوات الغرب تسلحاً وخبرة، إنه «في الوقت الذي يسعى فيه أبناء الوطن إلى إرساء السلم الأهلي... نجد أن المتمرّد المستبد حفتر وأعوانه يتمدّدون إلى المنطقة الغربية لتنصيبه حاكماً على ليبيا»، وأضافوا: «باسم كل شرفاء الوطن، يعلن أبناء هذه المدينة وثوارها وعسكريّوها... أنهم مستعدون لوقف هذا الزحف المشؤوم دفاعاً عن الوطن». إضافة إلى ذلك، أعلنت «قوة مكافحة الإرهاب»، التي تتشكل أساساً من أبناء مصراتة، أنها أرسلت بعض وحداتها إلى طرابلس، فيما ستنتشر قوات «المنطقة العسكرية الوسطى» على مداخل العاصمة.

تنديد دولي
خارجياً، دانت سفارة الولايات المتحدة في ليبيا بشدة التصعيد، وقالت إنها «تكرر دعوة الأمم المتحدة إلى ضبط النفس». أما السفراء الأوروبيون، فقد أصدروا بياناً مشتركاً عبّروا فيه عن قلقهم الشديد من «التحشيدات العسكرية والخطاب التصعيدي الذي قد يؤدي إلى مواجهة لا يمكن السيطرة عليها»، وأكدوا أنه «لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للأزمة الليبية». أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، الذي يصادف وجوده في العاصمة طرابلس، فقد قال في تغريدة على حسابه في «تويتر»، إنه شديد الانشغال بـ«التحرك العسكري الحاصل... وخطر حصول مواجهة»، وأضاف: «لا يوجد حل عسكري، فقط الحوار بين الليبيين يمكنه حلّ المشكلة الليبية، أدعو إلى التهدئة وضبط النفس، وأنا بصدد ملاقاة قادة البلاد». من ناحيتها، قالت وزارة خارجية قطر، في بيان أمس، إنها «تتابع بقلق بالغ التصعيد العسكري في ليبيا»، الذي «ينذر بتقويض مسار الحلّ السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة».