تتأكد المؤشرات على جدية التحرك الروسي العسكري في فنزويلا، رغم كونه رمزياً في الظاهر ولا يُعرف إلى أي مدى سيذهب في نشاطه. لكن الواضح حتى الآن أن رسائل موسكو، مدعومة من بكين، تسعى مبكراً في ترسيخ معادلة تجعل من المساس بفنزويلا أمراً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، بما يحمل واشنطن على أن تحسب خطواتها بحذر أكبر. في هذا الإطار، نقلت وكالة «إنتر فاكس» الروسية، أمس، عن الملحق العسكري الفنزويلي في موسكو تأكيده وصول عسكريين روس إلى فنزويلا «لمناقشة التعاون في المجال الفني ــــ العسكري». موسكو التي لم تنفِ الأنباء حول وجود جنود لها على الأراضي الفنزويلية، أكدت من جهتها وصول خبراء روس إلى فنزويلا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، أمس، إن بلادها أرسلت فريقاً من المتخصصين إلى فنزويلا لمناقشة التعاون العسكري «بموجب طلب مقدم من حكومة كاراكاس». وشددت زاخاروفا على أن موسكو «لا تغير ميزان القوة في المنطقة، روسيا لا تهدد أحداً على عكس (المسؤولين) في واشنطن». وأوضحت أن وصول الخبراء الروس إلى فنزويلا يأتي «بموجب بنود اتفاقية للتعاون الفني العسكري بين الحكومتين»، مضيفة: «لم يلغ أحد هذه الاتفاقية». وحول مدة الوجود العسكري الروسي، زادت بالقول: «إنهم يعملون على تطبيق الاتفاقات الموقعة في مجال التعاون التقني والعسكري. إلى متى؟ طوال المدة التي يحتاجون إليها. طوال المدة التي تراها حكومة فنزويلا ضرورية».
بدأت كاراكاس باستعادة التيار الكهربائي أمس بعد انقطاعه للمرة الثانية

المواقف الروسية تأتي في سياق الرد على التهديدات الأميركية التي بلغت حدّ تدخل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقول إن «على الروس مغادرة فنزويلا»، والتهديد بأن «كل الخيارات» مطروحة لإخراج موسكو. لكن بالنسبة إلى الروس، لا موعد لخروج قريب من كاراكاس، بحسب الرد الواضح أمس من الكرملين، والذي رفض دعوة ترامب إلى الانسحاب. إذ علق المتحدث باسم الأخير، ديمتري بيسكوف، على التهديدات الأميركية بالتأكيد أن قوات بلاده باقية في فنزويلا «طوال المدة اللازمة» بالنسبة إلى كاراكاس. ودعا بيسكوف واشنطن إلى عدم القلق من العلاقات الروسية الفنزويلية، وأضاف إن بلاده لا تبلّغ الولايات المتحدة كيف تدير علاقاتها الخارجية، وتتوقع المعاملة نفسها و«الاحترام المتبادل». التصلّب الروسي إزاء الموقف الأميركي الرافض لتعاون موسكو مع كاراكاس، بما يعقّد مهمة الانقلاب الأميركي هناك، يجعل من البعد الدولي للصراع أشد تعقيداً، ويسلط الأضواء على كيفية خروج رد الفعل الأميركي وخطوة واشنطن التالية، وخصوصاً أن المؤشرات تشي بأن موسكو ليست وحيدة في قرار تزخيم الدعم لكاراكاس، وإنما تحظى بمساندة صينية جدية. ومن شأن تعزيز وجود الخبراء العسكريين الروس أن يبقي أمل الفريق الانقلابي بقيادة خوان غوايدو، في تدخل عسكري أميركي، ضئيلاً بعض الشيء.
هذه الأجواء تأتي في ظل موعد تحرك جديد يروج له غوايدو لمواجهة السلطة بعد موقعة الحدود الكولومبية، هو السادس من نيسان/ أبريل المقبل، ويطلق عليه «عملية الحرية». وفي وقت جدد فيه غوايدو الدعوة إلى أنصاره للتظاهر غداً السبت، أعلنت السلطات في البلاد تجريد الأخير من منصبه كنائب ورئيس للبرلمان، ومنعه من ممارسة وظيفة نيابية طوال 15 عاماً. القرار أعلنه المراقب العام للدولة، مرجعاً أسبابه إلى وجود «مخالفات في سجلاته المالية»، قبل أن يسارع غوايدو إلى رفض القرار. في الأثناء، بدأت كاراكاس باستعادة التيار الكهربائي، بعد انقطاعه للمرة الثانية خلال شهر، وهو ما عزاه الرئيس نيكولاس مادورو إلى «هجوم إرهابي» طاول منشأة «جوري» الكهرومائية، يقف وراءه «اليمين الشيطاني المنحرف».