الجزائر | جدّد الجزائريون، أمس، موعدهم مع التظاهر السلمي، في مسيرات عُرفت بـ«المليونية» شهدتها مدن البلاد، تأكيداً لرفض بقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم. ورفع المتظاهرون، كعادتهم، شعارات موحّدة، أبرزها «لا للعهدة الخامسة»، و«هذا الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد» في إشارة إلى شقيق الرئيس ومستشاره الذي يشاع أنه هو المتحكّم في مؤسسة الرئاسة حالياً. كذلك، هتف المتظاهرون ضدّ الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي حذّر قبل أسبوع من إمكان تكرار النموذج السوري في الجزائر، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة.وجابت كبرى المسيرات، شوارع حسيبة بن بوعلي وديدوش مراد والعقيد عميروش، والتي امتلأت بمئات الآلاف من المتظاهرين، في حين تحفّظت الشرطة كعادتها على تقديم إحصاء دقيق لِمَن خرجوا. وتميّزت مسيرات العاصمة بتلويح المتظاهرين، وفق ما ظهر في لافتاتهم، بالذهاب نحو العصيان المدني في حال لم يستجب بوتفليقة لمطالبتهم بالرحيل. كما سُمعت هتافات قوية تطالب الجيش بالانحياز للحراك الشعبي وعدم دعم الرئيس، فيما ظهرت من بين اللافتات دعوات صريحة لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، إلى التدخّل.
وأمام الجموع البشرية التي امتلأت بها شوارع العاصمة، فتحت قوات الأمن كل الشوارع للمتظاهرين وسط العاصمة الجزائرية، على عكس أيام الأسبوع السابقة التي كانت تحاول فيها إعاقة المسيرات. وبدا أن الشرطة تلقّت تعليمات بعدم التعرّض للمتظاهرين، إلا في حالة واحدة هي اقترابهم من قصر الرئاسة في منطقة المرادية البعيدة نحو 3 كلم فقط من وسط العاصمة. وتفيد مصادر من جهاز الشرطة بأن المعلومات التي تصل القيادة المركزية تشير إلى استحالة اعتماد استراتيجية صدامية مع المتظاهرين، لأن ذلك سيتحول إلى استفزاز للجموع المتشكلة في أغلبها من الشباب، بما يهدّد بانفلات الوضع من السيطرة.
تميّزت مسيرات أمس بتلويح المتظاهرين بالذهاب نحو العصيان المدني


ويمكن قراءة هذه المسيرات الضخمة التي جابت مدن الجزائر على أنها ردّ صريح على رسالة الرئيس بوتفليقة التي تلاها مدير حملته الانتخابية يوم 3 آذار/ مارس، والتي تضمّنت العديد من التنازلات والوعود. ويعكس تصميم الجزائريين على التظاهر ضد بقاء بوتفليقة رفضاً قطعياً لتعهّده بالدعوة إلى انتخابات مبكرة لن يكون مرشحاً فيها في حال فوزه في الرئاسيات الجارية. وأبدى المتظاهرون، كما كشفته هتافاتهم وشعاراتهم، رفضاً مطلقاً لاستمرار الرئيس تحت أي ظرف، وهو ما يشكّل ضربة لأنصار بوتفليقة الذين كانوا يراهنون على أن تنجح تعهدات الأخير في التخفيف من حدّة الحراك وإضعافه.
وسألت «الأخبار» بعض المتظاهرين عن رأيهم في تعهّد بوتفليقة بعدم البقاء لأكثر من عام في حال انتخابه، فأجابوا بأنهم يعتقدون بأن هذا الاقتراح جاء فقط من أجل ترتيب النظام الحالي لأوراقه، ومسح كل آثار الفساد، وإيجاد الوقت لتهريب الأموال إلى الخارج. وأشار مَن أجابوا عن هذا السؤال إلى أنهم لا يثقون بأن هذه الوعود مصدرها الرئيس، لأنه مريض وموجود في سويسرا في حالة لا تسمح له بالكلام، كما نقلت الصحافة السويسرية، وهذا ما يعزّز اقتناعهم بأن هذه الوعود هي مجرد حيلة من محيط الرئيس والمستفيدين من أجل النجاة بأنفسهم.
هذا الانطباع العام الموجود لدى رافضي استمرار بوتفليقة، بدأ يتسرّب حتى إلى أنصاره في أحزاب الموالاة، التي باتت تعرف العديد من الاستقالات والانشقاقات. ويشهد حزب «جبهة التحرير الوطني»، صاحب الأغلبية البرلمانية، غلياناً غير مسبوق، بعد استقالة أعضاء قياديين فيه على غرار عبد الكريم عبادة. كما أعلن عدد من كوادر الحزب ونوابه السابقين استقالتهم الجماعية وانضمامهم إلى الحراك الشعبي، وفق ما ذكروا في بيان لهم. وعمد حزب «جبهة التحرير» إلى توسيع هيئة تسييره الحالية، إلى أسماء وشخصيات كانت مغضوباً عليها في السابق، مثل الوزير السابق عبد الرحمن بلعياط، لمحاولة احتواء الأزمة. وتشير أصداء من الحزب الثاني في البلاد، «التجمع الوطني الديمقراطي» (يقوده الوزير الأول أحمد أويحيى)، إلى احتمال تسجيل استقالات في الساعات المقبلة، وهو حال «منتدى رؤساء المؤسسات» الذي يقوده علي حداد، رجل الأعمال النافذ والمقرّب من شقيق الرئيس، حيث عرف هذا المنتدى العديد من الاستقالات. ويشهد «الاتحاد العام للعمال الجزائريين»، هو الآخر، حراكاً داخلياً غير مسبوق لإطاحة زعميه عبد المجيد سيدي السعيد، أحد أكبر الموالين لبوتفليقة.
ويبقى السؤال المحيّر في الجزائر، في خضم هذه الأحداث المتسارعة، عن موقف الجيش الذي يختلف المتابعون على تفسيره. ورغم أن رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح، قد عدّل في خطاباته الأخيرة من لهجته المعادية للمتظاهرين، وأصبح يتحدّث بشكل موسع عن الالتحام بين الجيش والشعب، فإن خطاباته لا تزال غامضة، لناحية استشهاده المتكرر بالرئيس بوتفليقة، وتأكيده قيام الجيش بدوره في تأمين الانتخابات الرئاسية، وهو ما يصبّ في عكس ما يطالب به المتظاهرون.



النسوة بـ«الحايك» في يوم المرأة
اكتست مسيرات أمس طابعاً خاصاً، بفعل الحضور النسائي القوي تزامناً مع يوم المرأة. وشوهدت في شوارع العاصمة نساء من مختلف الأعمار، يرتدين الزي النسائي التقليدي المعروف بـ«الحايك»، وهو لحاف يغطي جسم المرأة ووجهها كان يستعمل أيام الاستعمار الفرنسي، كنوع من المقاومة الرمزية لإثبات الهوية الجزائرية. كما ظهرت من بين الجموع شخصيات تاريخية، مثل البطلة الرمز جميلة بوحيرد، وقائد معركة الجزائر ياسف سعدي، ووجوه ثقافية مثل المؤرخ أرزقي فراد الذي كتب لافتة يقول فيها «احبلي يا جزائر، لعل نوفمبر جديد سيولد» (نوفمبر هو الشهر الذي اندلعت فيه الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي سنة 1954).
أما من السياسيين، فقد شوهد رئيس حزب «جيل جديد» ومنسق حركة «مواطنة» جيلالي سفيان، بالإضافة إلى رموز المعارضة، مثل كريم طابو رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي»، وممثلون عن حزب «جبهة القوى الاشتراكية» أقدم حزب معارض في الجزائر. وكان أكبر الشخصيات السياسية الخاسرة في هذا اليوم، المرشح علي غديري، الذي هتف ضده المتظاهرون وطالبوه بمغادرة المسيرة. ويعيب الرافضون لغديري عليه عدم انسحابه من السباق الانتخابي، ويتّهمونه بالمشاركة في مسرحية انتخابية والقيام بدور «الكومبارس» للرئيس بوتفليقة.