لم تحمل زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية، جوزيف فوتيل، إلى شمال شرق سوريا، أي تطمينات علنية لمضيفيه في «قوات سوريا الديموقراطية»، الذين أعلنوا صراحة رغبتهم في بقاء قوات أميركية «وإن كانت محدودة»، برفقة غطاء جوي. فالجنرال الذي يستعد بدوره لمغادرة منصبه قريباً، وخلال لقائه قائد «قسد» مظلوم كوباني في واحدة من القواعد الأميركية، اختصر التباين في الرؤى بالقول: «نفهم بالتأكيد ما يريدوننا أن نفعله، لكن هذا ليس المسار الذي نسلكه في هذه المرحلة بالذات». وأكد أنه ملتزم «تنفيذ أمر الرئيس دونالد ترامب» بالانسحاب الكامل، وأن النقاش يدور الآن حول «ما يمكن أن تقدّمه قوات التحالف». ومن المتوقع أن تحفّز ملابسات زيارة فوتيل ردود فعل مستنكرة من قِبَل أنقرة، بدءاً من لقائه مظلوم كوباني (أحد أبرز المطلوبين لدى تركيا)، وليس انتهاءً بالحديث عن دور «التحالف» المحتمل في «حفظ الأمن» في شرق الفرات، وهو ما رفضه الجانب التركي غير مرّة.ويراعي الحراك الأميركي اللافت مع الشركاء على الأرض، حساسية أحد أبرز الملفات التي تضغط واشنطن لحلّها قبيل مغادرة قواتها، وهو مصير عناصر «داعش» الأجانب وعوائلهم. وبعدما أعلن ترامب صراحة أن على الدول الأوروبية «استعادة أكثر من 800 مقاتل سابق في داعش... ومحاكمتهم»، ولوّح بأن «البديل غير الجيد هو الاضطرار إلى الإفراج عنهم»، كانت الاستجابة الأوروبية خلال اليومين الفائتين باردة للغاية، وتراوحت بين الرفض والتشكيك في جدوى الطرح الأميركي. السلطات البريطانية أكدت أنه «يجب محاكمة مقاتلي داعش الأجانب حيث تم القبض عليهم»، فيما رأت برلين أن «الأمر ليس سهلاً مثلما تطرح الولايات المتحدة»، وأشار وزير خارجيتها هايكو ماس إلى أن «بإمكان هؤلاء العودة إلى ألمانيا، فقط إذا تسنى لنا ضمان احتجازهم فور وصولهم». ومن جهتها، قالت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون در لين، إنه «ليس في سوريا حكومة بإمكاننا الاعتماد عليها، (الرئيس السوري بشار) الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً لنا، وقوات سوريا الديموقراطية ليست حكومة».
شكّكت موسكو مجدداً في احتمال «انتهاء» الوجود الأميركي في سوريا


أما في باريس، التي رشحت عنها مواقف سابقة تفتح «طريق عودة» لحَمَلة الجنسية الفرنسية وهم الأغلبية بين عناصر «داعش» وعوائلهم وفق إحصاءات غير رسمية، فقد أشارت وزيرة العدل، نيكول بيلوبيه، في حديث إلى قناة «فرانس 2»، إلى أن «هناك سياقاً جيوسياسياً جديداً مع الانسحاب الأميركي... وفي الوقت الراهن لا نعمل على تغيير سياستنا»، مضيفة أن الحكومة «ستلتزم سياستها الحالية في التعامل مع كل حالة على حدة». ولفت وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه رايندرز، من جهته، إلى أن حكومته ملتزمة إعادة الأطفال دون سن العاشرة «كلما أمكن ذلك»، بينما سيتم التعامل مع الآخرين «بشكل فردي». كذلك، استبعدت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أيّ تدخّل للاتحاد في هذا الشأن، على اعتبار أنها «مسألة تخص الحكومات الوطنية».
ووسط هذا الزخم لحلّ الأزمات التي أحياها قرار الانسحاب الأميركي، لا تزال موسكو مشككة في النيات الأميركية في هذا الشأن، لأن «الولايات المتحدة باتت أكثر الدول التي لا يمكن التنبّؤ بتصرفاتها» على حد تعبير المتحدث باسم «الكرملن» ديميتري بيسكوف. ورأى الأخير، في مقابلة مع صحيفة «حرييت» التركية، أن الوجود الأميركي في سوريا «لن ينتهي على الأرجح... وقد يستمر بطريقة ما». وحول تصوّر بلاده لفكرة إنشاء «منطقة آمنة» تديرها أنقرة، قال إن «اتفاقية أضنة توفّر أرضية قانونية يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة ضمن إطارها». واعتبر، في تعليق على تواصل أنقرة الأمني مع دمشق، أن «كل الدول التي تريد إنقاذ سوريا... يجب أن تتعامل مع رئيسها الشرعي». وعن مستجدات إدلب واحتمال شنّ عملية عسكرية هناك، لفت إلى أن «الأمر يجب أن يترك للعسكريين... وعلينا أن نقرر ما إذا كانت تركيا ستقوم بها أو أطراف أخرى». وأضاف أن «التهديد الإرهابي في إدلب وصل إلى مستوى ينذر بالخطر... والجماعات الإرهابية تهاجم باستمرار، ومن مسؤولية تركيا منع هذه الهجمات»، لافتاً إلى أنه «يجب وقف الاعتداء على قاعدة حميميم وعلى حلب وعلى مواقع الجيش السوري».