الجزائر | لم تكن السلطات الجزائرية تنتظر أن يثير إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشّح لولاية خامسة حفيظة الشارع، الذي بدأ يتحرك رفضاً لهذا الواقع، من خلال تنظيم مسيرات ووقفات عفوية وغير مرخّصة، تتسع رقعتها شيئاً فشيئاً لتشمل عدداً من المحافظات في شرق البلاد، وحتى الجالية الجزائرية في الخارج. ويتحدّى الجزائريون بذلك التحذير الذي سبق أن أطلقه الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي هدّد بأن الدولة لن تسمح باستعمال الشارع في التشويش على الانتخابات.وسجلت مدينة خراطة في محافظة بجاية (250 كلم شرقي الجزائر العاصمة)، التي تحمل رمزية تاريخية، أكبر مسيرة رافضة لترشّح بوتفليقة، حيث خرج الآلاف في مشهد نادر يوم السبت الماضي، وجابوا الشوارع وهم يحملون شعارات مناهضة للنظام، من دون أن تُسجّل أي حوادث عنف. وتزامن خروج المواطنين في خراطة مع مسيرات أخرى نُظّمت في محافظات برج بوعريريج وجيجل وتيزي أوزو، وهي كلها مدن تقع في شرق البلاد. وسجّل الجزائريون المقيمون في العاصمة الفرنسية باريس حضورهم كذلك أول من أمس، في وقفة في ساحة الجمهورية دعوا فيها إلى رحيل النظام الحالي، وندّدوا بترشيح الرئيس المريض مرة أخرى.
ومعلوم أن المسيرات في العاصمة الجزائرية محظورة بقرار إداري يعود إلى عام 2001، بسبب تظاهرة كبرى نظّمها الأمازيغ احتجاجاً على القمع الذي تعرضوا له على أيدي السلطات في منطقة القبائل. وعلى الرغم من أن حرية تنظيم المسيرات في بقية محافظات الجزائر مكفولة قانوناً، إلا أن الحصول على ترخيص يُعدّ شبه مستحيل. لكن مع ذلك، تعاملت قوات الأمن بحذر شديد مع هذه المسيرات، وتركتها تسير بحرية استجابةً لتعليمات عليا، مُتجنّبة الاستفزاز الذي قد تنجم عنه تطورات لا يمكن التحكم بها. ولجأت قوات الأمن، في بعض الأحيان، إلى اعتقال منظّمي المسيرات، والإفراج عنهم ساعات بعد ذلك، وهو تكتيك أمني معهود في الجزائر، لتفريق التظاهرات وتخويف من يريد الخروج إلى الشارع.
حصر الجزائريون حراكهم في السنوات الأخيرة بالمطالب المهنية والاجتماعية


واللافت أن هذه المسيرات لم يَدعُ إليها أي حزب في المعارضة، إذ أشرف على الدعوة إليها وتنظيمها مواطنون لم يحملوا أي شعارات تشير إلى انتماءات سياسية أو أيديولوجية، وهو ما أثار انتباه المراقبين الذي ينتظرون كيف سيتطور الأمر في الأيام المقبلة، في ظلّ توالي الدعوات إلى تنظيم مسيرات رافضة للولاية الخامسة. وباتت تظهر من حين إلى آخر نداءات تُطلَق عبر «فيسبوك»، لتنظيم تجمعات أو مسيرات يدعو إليها نشطاء محليون، وهو ما بدأ يقلق السلطات التي حذّرت من وجود أطراف تسعى لضرب الجزائر عبر استعمال مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتجه الأنظار، في خضمّ ما يجري، إلى معرفة حجم الاستجابة للدعوة التي أطلقتها حركة «مواطنة» لتنظيم مسيرات في كامل أنحاء الوطن يوم 24 شباط/ فبراير المقبل، وذلك بالتزامن مع الخروج المنتظر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتدشين المطار الجديد والمسجد الأعظم (بناء هو الثالث في العالم بعد الحرمين)، كانطلاقة فعلية للحملة الانتخابية التي يتوقع أن يغيب عنها الرئيس بسبب ظروفه الصحية التي لا تسمح له بتنشيط التجمعات أو مخاطبة المواطنين.
ويرى منسق حركة «مواطنة» المعارضة، جيلالي سفيان، في تصريح إلى «الأخبار»، أن هذه المسيرات، في حال امتدادها وتوسعها «ستشكل أملاً جديداً للجزائر لإعادة بناء نظام سياسي على أسس سليمة، من خلال إعادة الشرعية إلى الشعب». ويرى سفيان أن «ما يدفع المواطنين إلى الخروج إلى الشارع، شعورهم بالإهانة إزاء ترشيح رئيس غائب يعاني من عدم القدرة على الحركة والكلام، واعتقاد كثير من الجزائريين بأن الرئيس في وضعه الحالي هو في جماعة تريد أن تحكم باسمه». ويلفت إلى أن «ما نعيشه اليوم في الجزائر هو لحظة وعي فارقة بمصير البلاد، لأن التغيير ثَبَت أنه لا يمكن أن يأتي من الأحزاب أو الانتخابات».
ويبدي جزء من المعارضة مخاوف إزاء فكرة تحريك الشارع خشية انزلاق الأوضاع إلى العنف، فيما تلعب السلطة وأنصارها على وتر التحذير من التلاعب بما تعتبرها «مكاسب الأمن والاستقرار» التي تحققت في سنوات حكم بوتفليقة، والدفع بالجزائر إلى أتون المجهول، مُستحضرة نماذج دول عربية أخرى كليبيا المجاورة وسوريا، ومُخوِّفةً من إعادة البلاد إلى سنوات «العشرية السوداء» في التسعينيات التي ضرب فيها الإرهاب بعنف في البلاد.
والجدير ذكره أن الجزائريين حصروا في السنوات الأخيرة لجوءهم إلى الشارع بوجود مطالب مهنية واجتماعية، من دون أن يصل تحركهم إلى المطالب السياسية، باستثناء بعض الوقفات المحدودة احتجاجاً على الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة في 2014، والتي عرفت السلطة كيف تحتويها سريعاً.