إلى جانب ما أكدته جميع البيانات الختامية للقمم التي جمعت قادة روسيا وإيران وتركيا ضمن صيغة «أستانا»، عن التزام وحدة واستقلال وسلامة سوريا، خرجت «قمة سوتشي» أمس بنظرة موحّدة حول «الانسحاب الأميركي» المرتقب، على اعتباره خطوة «تساعد على تعزيز الاستقرار والأمن». وكغيره من التفاهمات التي أنتجها مسار «أستانا» قبلاً، فإن الترحيب المشترك بالانسحاب الأميركي ينطلق من مقاربات ومصالح متباينة لدى كل من «الدول الضامنة» الثلاث، تتناسب وموقعها على طاولة «التسوية السورية». ويحمل هذا التوافق إشارة واضحة إلى أن تركيا لا تريد خسارة ما راكمته مع كل من روسيا وإيران، خلال محاولتها كسب نقاط عبر التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة لمرحلة «ما بعد الانسحاب». وهو ما يراهن عليه الطرفان الإيراني والروسي ـــ الراغبان برؤية القوات الأميركية خارج سوريا في أسرع وقت ممكن ـــ لانتزاع تعهدات تركية يمكن تجييرها لمصلحة «حل نهائي» يعيد السلطة الشرعية على كامل الأراضي السورية لاحقاً، ويتضمن مساراً سياسياً عبر «القنوات الدستورية».
ونصّ البيان المشترك للقادة الثلاث، على «تنسيق الأنشطة لضمان الأمن والاستقرار» في شمال شرقي سوريا، مع احترام سيادة البلاد و«بما يتضمن الاتفاقيات القائمة». وتعد هذه الإشارة الأوضح إلى الجهود الروسية الحثيثة الهادفة إلى إحياء «اتفاق أضنة» بين دمشق وأنقرة، والرهان عليه ليكون باباً لعودة العلاقات والتنسيق بينهما.
ولم يكن الحضور الطاغي لقضية الانسحاب الأميركي، على أهميتها، كافياً لتهميش ملف إدلب، إذ أكد البيان الختامي المشترك على ضرورة «التصدي بفعالية» لمحاولات «هيئة تحرير الشام الإرهابية» فرض سيطرتها على منطقة «خفض التصعيد»، إلى جانب «اتخاذ خطوات ملموسة للحد من الانتهاكات في المنطقة منزوعة السلاح، من خلال التنفيذ الكامل للاتفاقات المتعلقة بإدلب، بما يتضمن مذكرة التفاهم الموقعة في أيلول الماضي». ويشير ما سبق، تقاطعاً مع تصريحات الرؤساء الثلاثة أمس، إلى أن الفرصة لا تزال متاحة أمام أنقرة للعمل وفق «اتفاق سوتشي» الأخير، مع ترك الباب مفتوحاً لاستهداف «الجماعات الإرهابية» وفق ما تنص عليه مذكرة التفاهم الروسية ــ التركية. وإلى جانب ملفي إدلب والانسحاب الأميركي، اتفق «ثلاثي أستانا» على ضرورة انخراط المجتمع الدولي وبخاصة وكالات الأمم المتحدة، في «استعادة أصول البنية التحتية... بما في ذلك مرافق إمدادات المياه والطاقة والمدارس والمستشفيات».
وهو توجّه تدفعه موسكو تمهيداً لإطلاق عملية «إعادة الإعمار» في سوريا، في مواجهة الطروحات الأميركية والأوروبية التي تشترط «حلاً سياسياً ناشطاً» للمشاركة في تغطية تكاليف تلك العملية. كذلك أكد البيان «أهمية تهيئة الظروف للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والمهجرين داخلياً... والتفاعل بشكل إيجابي مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».
أكد بوتين أن «اتفاق أضنة» يصلح أساساً لضمان أمن الشمال السوري


نقاط التوافق السابقة لم تمنع انفراد كل من الأطراف المشاركة في الحديث عن نقاط تميّز مقاربته عن شركائه على طاولة «أستانا». فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد أهمية «الاتفاق على كيفية إنهاء التصعيد بشكل كامل في إدلب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «هذا لا يعني أننا يجب أن نتحمّل وجود جماعات إرهابية». ولفت إلى ضرورة «النظر في خطوات عملية محددة يمكن أن تتخذها روسيا وتركيا وإيران لتدمير الإرهاب هناك بالكامل».
وعن الوضع في شرق الفرات، أعرب بوتين عن تفهم بلاده «مخاوف تركيا»، مضيفاً أن «الاتفاق بين تركيا وسوريا (اتفاق أضنة) يمكن أن يكون الأساس، ففي هذا الاتفاق، تم تحديد المبادئ المشتركة لمكافحة الإرهاب». ولفت إلى أن «وزارتي الدفاع ووكالات الاستخبارات تواصل اتصالاتها في هذه القضية». أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد أكد ضرورة «استمرار المعركة ضد جميع الجماعات الإرهابية... وإنهاء وجود القوات الأجنبية، بما في ذلك الأميركيين الموجودين من دون إذن من الحكومة السورية، في أقرب وقت ممكن». وأشار روحاني إلى أن «المعلومات الاستخبارية المتوافرة لدى إيران، تقول إن الولايات المتحدة ستواصل التدخل في سوريا». وأوضح بالتوازي، أن «على المجتمع الدولي مواجهة أعمال النظام الصهيوني العدوانية على الأراضي السورية، والتي تهدد السلام والأمن الدوليين»، من دون أن يغفل التنويه إلى ترحيب بلاده «بالعلاقات الأخوية والودية بين سوريا وجميع الدول المجاورة لها»، وتأكيد «ضرورة شعور تركيا بالأمان». وخصص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جزءاً من حديثه ليلفت إلى ملف اللاجئين في بلاده، وضرورة العمل على «ضمان استقرار» يتيح عودتهم إلى بلادهم. كما شكك من جديد بالمواعيد الأميركية المسرّبة عن الانسحاب المرتقب من سوريا، مضيفاً أنه «يجب طرد الإرهابيين من منبج وإعادتها إلى سكانها الأصليين».