بعد ما يقارب الشهرين على الاحتجاجات المطالبة بتنحّي الرئيس عمر البشير، تتبلور خريطة طريق المعارضة في السودان بتوحدّها خلف مطلب إسقاط النظام، على اختلاف توجهاتها، وهو الشعار الذي رفعه المحتجون منذ اليوم الأول للاحتجاجات في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ما عدّه البشير في حينه محاولة لـ«استنساخ» ما سُمّي «الربيع العربي» في البلاد، في معرض بحثه عن دعم خارجي.قوى المعارضة، التي تضمّ «تجمع المهنيين السودانيين» وأحزاباً سياسية صغيرة مؤثرة شكّلت ثلاثة تحالفات منفصلة، تبنّت «ميثاق الحرية والتغيير»، الذي يتضمن حزمة مطالب على رأسها رحيل النظام، وتشكيل حكومة انتقالية واجبها تحقيق السلام العادل والشامل وكفالة حقوق الإنسان والحريات، وتطبيق برنامج اقتصادي إسعافي لرفع المعاناة عن الشعب، وتطبيق برامج الإصلاح البديلة، وعقد المؤتمر القومي الدستوري لكتابة دستور البلاد. ولعلّ أهم مطالب الميثاق، هي تلك التي أصر عليها «تجمع المهنيين» منذ دعوته الأولى للتوجه نحو القصر الجمهوري لتسليم مذكرة تطالب بتنحّي البشير فوراً عن السلطة، في 25 كانون الأول/ ديسمبر، حين اقترح، في حال وافق البشير على التنحّي، تشكيل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة، وذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني.
توحد المعارضة خلف مطلب إسقاط النظام، الذي سبق واعتبره البشير دعوة إلى «انقلاب عسكري» مطلع الشهر الماضي، خطوة لها دلالاتها السياسية، لما تتركه من تأثيرات في خريطة الأحزاب السياسية في البلاد، والتي عمل البشير على تفريقها منذ 30 عاماً، متحكماً بخيوط اللعبة السياسية من خلال إطلاق حوارات داخلية، تقابلها أحزاب بالإيجاب، فيما ترى أخرى أنها تندرج في سياق مناورات النظام المعهودة.
من هنا، يرى مراقبون أن قوة البشير تكمن في ضعف المعارضة وتشتت صفوفها، وعدم قدرتها على اتخاذ موقف موحد تجاه أي من القضايا الرئيسية المطروحة. لكن توحيد رؤى المعارضة أمس، بعد مشاورات واسعة جرت أخيراً بينها للاتفاق على نص«ميثاق الحرية والتغيير»، يُعدّ انطلاقة جديدة أعطاها «تجمع المهنيين» دفعاً بتمسكه بالميثاق الموقع في كانون الثاني/ يناير 2019. وسبق لـ«التجمع» أن رفض المبادرات التي لم تضع ضمن أولوياتها إسقاط النظام، وآخرها مبادرة «الإصلاح والسلام» التي أعلنت عنها 52 شخصية سياسية وأكاديمية، كونها دعت إلى إعلان حكومة انتقالية بالتوافق بين قيادة الحراك الجماهيري والقوى السياسية الكبرى، علماً أن البشير لم يُبد أي استجابة إلى أيّ من تلك المبادرات ولو بإطلاق «حوار» مع مطلقيها كما وعد في أكثر من مناسبة، أو بـ«دراستها» كما دعا القيادي في «المؤتمر الوطني»، عضو البرلمان عبد الجليل النذير الكاروري.
وفيما كان البشير يؤكد التزامه بنهج الحوار كوسيلة لحل كل الإشكالات السياسية، مثلما جاء في خطاب له في كسلا مطلع الشهر الجاري، ويعد بالعمل على تحقيق التداول السلمي للسلطة، استمر في نهج مواجهة الاحتجاجات بالعنف المفرط الذي راح ضحيته أكثر من 50 متظاهراً بالرصاص الحي وفق «هيومن رايتس ووتش»، مصرّاً على أن صناديق الاقتراع وحدها يمكن أن تؤدي إلى تغيير في الحكم، ساخراً من استخدام «تجمع المهنيين» وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المحتجين ضد حكمه المستمر منذ ثلاثة عقود، بالقول إن «الحكومات والرؤساء لا يمكن تغييرهم عبر واتساب وفيسبوك».
يعمل «تجمع المهنيين» على توسيع دائرة المعارضة تحت شعار «إسقاط النظام»


لكن التجمع، الذي استطاع إثبات وجوده على الأرض بمشاركته الكبيرة في الاحتجاجات، وفي تنفيذ إضرابات على مستوى قطاعات عدة، أكد قوته أمس أيضاً بمزامنة ظهوره الأول على الأرض مع أول مؤتمر مشترك لقوى المعارضة في مقرّ حزب «الأمة»، أكبر أحزاب المعارضة، إلى جانب الحزب «الشيوعي» و«التجمع الاتحادي المعارض» و«تجمع القوى المدنية» و«قوى نداء السودان»، التي طالبت مجتمعة الحكومة بالاستقالة تمهيداً لنظام حكم انتقالي لمدة أربع سنوات تليه انتخابات، في إطار «ميثاق الحرية والتغيير». بل إن التجمع، الذي ينظم الاعتصامات والتظاهرات ومواكب الانطلاق وأوقاتها ومناطقها، عبر منصاته في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما «تويتر»، حيث يضع وسوماً يشاركها آلاف المتفاعلين، أكد أمس سعيه إلى توسيع دائرة المعارضة، بتشديد الناطق باسمه، محمد يوسف أحمد المصطفى، على ضرورة الجلوس مع الموقعين على مبادرة جامعة الخرطوم وغيرها من المبادرات، «بما يضمن المشاركة الواسعة في العمل الثوري والفترة الانتقالية»، وحديثه عن أن التجمع والقوى الموقعة على الميثاق «تبذل جهوداً لضمان المزيد من المشاركة الفاعلة للنازحين، وقوى الهامش، والقوى المطلبية، والسودانيين في الخارج، والإسهام برأيهم في اتخاذ القرارات حول مستقبل البلاد»، ما يعني أن التجمع الذي ليس له هيكل تنظيمي مثل بقية الأحزاب، بدأ يستلهم قوته من «العمل الجماعي»، وهو ما كان يخشاه البشير.



تظاهرات متجددة في الخرطوم
تلبية لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» و3 تحالفات معارضة، انطلقت مسيرات ومواكب في عدد من المدن، بينها الخرطوم، صوب القصر الرئاسي، أمس، في ما سُمي «مواكب ضحايا الحروب والانتهاكات».
وعمدت الشرطة السودانية والقوات الأمنية إلى تفريق التظاهرات بالغاز المسيل للدموع، واعتقلت العشرات وسط الخرطوم، حيث انتشرت منذ وقت مبكر أمس، في أنحاء وسط الخرطوم، تحسباً للتظاهرة المتجهة إلى القصر الرئاسي. لكن ذلك لم يمنع العشرات من التواجد في الزمان والمكان الذي حدده «تجمع المهنيين»، الذي قال في صفحته على «فيسبوك»، إن الموكب انطلق من منطقة السوق العربي (وسط الخرطوم) «من أجل كل ضحايا الحروب والانتهاكات»، مشيراً إلى أن نازحي «معسكر زمزم للنازحين» (في ولاية شمال دارفور غرب السودان) خرجوا في تظاهرات دعماً لمطالب المحتجين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو لتظاهرات في أحياء بري والشجرة والحامداب في الخرطوم، ومدينة الأبيض (جنوب) وبعض أحياء مدينة مدني، وقرى الجزيرة وسط السودان.