لم يرسم يوسف عبدلكي يوماً طبيعة صامتة. هذا اختراع أكاديميين ونقّاد. لقد رسم البركان الراكد، منذ عهده بالفحميّات الشهيرة التي انحفرت في مخيّلتنا. البطيخ والأزهار والأحذية، السمكة ورأس الخروف والسكين المزروعة في الأرض إلى جانب العصفور الميت، الساعد الذي يشدّ قبضته المناضلة والرأس المقطوع وفوقه غمامة ملوّنة من كلمات أغنية سناء موسى «يا نجمة الصبح فوق الشام علّيتي»… كلّها عناصر من الطقس الفجائعي الاستشرافي نفسه، بالأبيض والأسود.
إنّها طواطم الغضب المكبوت في وجدان شعب على درب الجلجلة. الصرخة التي بشّر بها الفنان ورفاقه عقوداً قبل أن تنفجر في شوارع سوريا، لتعود فتغرقها الرجعيّة في مستنقع من الدماء. كان هذا المنعطف في تجربة الفنان السوري الذي أعاده الحدس إلى مسرح التاريخ، بعد عقود المنفى الباريسي. ترك البشر يقتحمون لوحته، ليتولّوا بأنفسهم رواية مأساتهم البطولية. أعاد الكلمة المصادرة لأم الشهيد، لشهيد من درعا، للقديس مار يوحنا فم الذهب المسجّى في جامع الحسن في الميدان. نعم يوسف عبدلكي فنّان ملحمي. شاهد الظل الذي تحتفي به بيروت ابتداء من اليوم في «تانيت»، تلك صلته الوحيدة بالواقعيّة التي يتجاوزها إلى ما فوق الواقع، ويرنو في لاوعيه إلى معلمين خلّدوا لحظات مأساوية في التاريخ البشري. اللحظة السورية المرّة فيها من تكعيبيّة الحرب الأهليّة الاسبانيّة بقدر ما فيها من رومانسيّة باريس بين الثورة والكومونة. في الصيف الماضي ذاق يوسف السجن مجدداً، لكنّه لم يلعب دور البطل. عاد إلى الظل ليحصي الفرص الضائعة، ليرصد رقصة الموت، لينصت إلى نبض شعبه الجدير بالحريّة.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@