لم يكن مفاجئاً إعلان إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، فمنذ استقالة رئيس «إسرائيل بيتنا» من الحكومة، أفيغدور ليبرمان، وتقلص قاعدتها البرلمانية إلى 61 عضو كنيست، بات باستطاعة أي كتلة بل أي عضو أن يغيّر موازين القوى البرلمانية بما يؤدي إلى ترجيح كفة المعارضة التي تسعى إلى إطاحة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ما يعزز هذا التوجه أن إسرائيل دخلت في الأحوال كافة سنة الانتخابات انطلاقاً من أن الموعد الرسمي هو تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، إضافة إلى اقتراب حسم وضع نتنياهو القضائي بعدما أوصت الشرطة بتقديم لائحة الاتهام بحقه، وهو ما تراهن عليه المعارضة في أن يؤدي إلى تغيير شعبي وسياسي وحزبي. ومع أن عنوان السجال تمحور حول تجنيد الحريديم، فإن خلفية نتنياهو في موقفه تهدف بالدرجة الأولى إلى محاولة الالتفاف على تقديم لائحة اتهام بحقه على خلفية قضايا الفساد، عبر الاحتكام إلى الجمهور، والتحصن بالمرحلة الانتخابية لمواجهة المستشار القضائي الذي قد تفرض عليه تأجيل إصدار قرار نهائي حول لوائح الاتهام إلى ما بعد الانتخابات. على أي حال، أعلن رؤساء الائتلاف الحكومي الاتفاق على حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة في التاسع من نيسان/ أبريل المقبل، في وقت أعلن فيه رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، معارضته تأييد قانون تجنيد الحريديم، والموقف نفسه اتخذه ليبرمان، الأمر الذي يهدد بفقدان غالبية في الكنيست للتصديق على القانون. استناداً إلى هذا التفاهم، سيُقدم غداً (الأربعاء) مشروع قانون لحل الكنيست، كما أصدر المجتمعون بياناً أوضحوا فيه أن إجراء الانتخابات المبكرة جاء على خلفية «قانون تجنيد الحريديم، وانطلاقاً من المسؤولية إزاء الميزانية»، على أن تستمر الشراكة بين أحزاب الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات.
أيضاً يأتي هذا القرار (إجراء انتخابات مبكرة) بعد خلاف حادّ بين الكتل الحريدية حول الموقف من قانون التجنيد: بين من يؤيده انطلاقاً من كونه «الأقل سوءاً»، وآخرين عارضوه مهددين بأنه في حال التصديق عليه بصيغته الحالية، سينسحبون من الحكومة بما يؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة، ثم يطالبون بسن قانون يعفيهم بالكامل من التجنيد. وينصّ القانون الجديد على تجنيد ثلاثة آلاف من طلاب المدرسة الدينية في الجيش في المرحلة الأولى، على أن يتطوع 600 آخرون للعمل في الخدمة الوطنية، مع مرحلة تعديل مدتها سنتان لا تُفرض خلالهما أي عقوبات إذا لم تستوفِ المدارس الدينية عتبات التجنيد. يُذكر أن «المحكمة العليا الإسرائيلية» منحت الحكومة مهلة إضافية لشهر ونصف شهر، حتى الـ 15 من كانون الثاني/ يناير المقبل، من أجل التصديق النهائي على القانون، وهو ما حشر الأطراف كافة، بمن فيهم نتنياهو والحريديم، انطلاقاً من أن قرارات «العليا» ملزمة للحكومة.
مع ذلك، قدّم نتنياهو في مؤتمر صحافي لكتلة «الليكود» قائمة بما وصفه إنجازات له ولحكومته، قائلاً إنه خلال ولاية الحكومة تحوّلت إسرائيل إلى «قوة دولية صاعدة تنافس العديد من الدول العالمية، وباتت تصنف في المرتبة الثامنة عالمياً عسكرياً، إلى جانب تعزيز التحالف مع أميركا». ولعل «الأهم» إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل». وأضاف نتنياهو: «سنواصل محاربة التموضع الإيراني في سوريا، وكذلك تدمير الأنفاق التي حفرها حزب الله على الحدود الشمالية، علماً بأن الجيش على أهبة الاستعداد لأي سيناريو». ثم توجه إلى الجمهور مطالباً بمنح الحكومة تفويضاً آخر لمواصلة سياساتها، مع تأكيده أن «إسرائيل دولة يهودية»، لافتاً إلى أنه سيواصل سياسته الاقتصادية.
رغم ما سبق، يُتوقع أن يترك قرار إجراء انتخابات مبكرة أثره في توقيت إعلان المستشار القضائي، أفيحاي مندلبليت، موقفه من التهم الموجهة إلى نتنياهو، بذريعة أنه سيكون له أثره في توجيه تصويت الناخب. لكن مصادر قضائية رجحت أن يواصل مندلبليت جلسات الاستماع كالمعتاد، مستبعدة أن ينشر توصياته خلال الانتخابات.
فجّر المشهد السياسي المواقف المتباينة من قانون تجنيد الحريديم


في المقابل، رحبت المعارضة الإسرائيلية بقرار التوجه إلى انتخابات مبكرة انطلاقاً من أن ذلك سيسقط «أسوأ حكومة». إذ رأى رئيس «المعسكر الصهيوني»، آفي غباي، أن الانتخابات المبكرة المقبلة هي بينه وبين نتنياهو، لافتاً إلى أن هذه الانتخابات «مهمة جداً» لمستقبل الدولة. كذلك، رأت رئيسة المعارضة، تسيبي ليفني، أن المعارضة ستفوز بالانتخابات، وأن هذه الحكومة «ستسقط أخيراً». وحذرت ليفني من أن نتنياهو «سيحاول تدمير ما تبقى من الديموقراطية في إسرائيل»، لكن معسكرها سيمنعه من محاولة ذلك. أيضاً، رحب ليبرمان بقرار الانتخابات، مضيفاً إنه سبق أن قال إن هذه الحكومة لا تفعل دورها، وإن من المهم أن تكون هناك «حكومة جديدة ومستقرة».