فجر أمس، مات الطفل الفلسطيني المولود من أمّ لبنانية محمد وهبة. ثلاثة أيام بقي فيها ابن السنتين ونصف السنة في غيبوبة في غرفة عادية في المُستشفى الإسلامي في طرابلس، بعدما أخفق ذووه في إدخاله قسم العناية الفائقة في مستشفيات عديدة بذريعة عدم وجود أسرّة، وهي الذريعة التي أزهقت أرواح آخرين قبله في ظلّ نظام صحّي يحصر إمكانية حجز سرير في قسم العنايات بحجم الأموال المتوافرة لدى المريض.ووفق رواية أهل الطفل، فإنه كان يعاني من احتقان الماء في رأسه، وخضع لثلاث عمليات في مُستشفى حمّود في صيدا. في المرة الأولى، زُرع له جهاز يساعد على إخراج المياه. وبعد فترة، تبيّن أنه في حاجة الى عملية لإخراج المياه بعدما ثبت عدم فعالية الجهاز، ثم خضع لعملية ثالثة بعدما عاد الاحتقان. يروي عمّ الطفل، غسّان وهبة، لـ«الأخبار»، أنه بعد فترة من إجراء العملية الثالثة، تدهور الوضع الصحي لمحمد وارتفعت حرارته. تواصلت العائلة مع إدارة مُستشفى حمّود التي أبلغت الأهل بضرورة نقله الى أحد المُستشفيات القريبة لعدم وجود سرير شاغر في قسم العناية الفائقة لديها. بعدها، بدأت «جولة» الأهل على المُستشفيات من دون جدوى، فيما بقي الطفل ثلاثة أيام راقداً في غرفة عادية في المُستشفى الإسلامي. وبعد اتصالات مع وزارة الصحة والمعنيين، تم تأمين سرير شاغر في مُستشفى طرابلس الحكومي، إلا أنه توفي بعد ساعات قليلة من وصوله إليه.
خبر الوفاة أثار موجة من الغضب والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعدما أُشيع أن أحد المستشفيات اشترط لاستقباله تأمين ألفي دولار. كما رُبط الأمر بتقليص «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) لخدماتها منذ شباط الماضي، ما أدى الى احتجاجات عفوية وحرق إطارات في مخيمي البداوي ونهر البارد (حيث تعيش عائلة الطفل)، احتجاجاً على «موت الفلسطينيين على أبواب المستشفيات»، واعتراضاً على تقليص «أونروا» لخدماتها، ورفضاً لسياسات تهميش حقوق الفلسطينيين في لبنان. واستدعى ذلك توضيحاً من الوكالة التي أكّدت في بيان أن الطفل أُدخل الى المُستشفى الإسلامي في 14 الجاري على نفقة الوكالة، «غير أن حالته تدهورت بشكل سريع ما استدعى نقله الى غرفة عناية مركزة متخصصة للأطفال، وهي وحدة غير متوافرة في المستشفى ذاته».
تتذرّع المُستشفيات الخاصة بمحدودية أسرّة العناية الفائقة لابتزاز المرضى


كما أوضح بيان للمكتب الإعلامي لوزير الصحة غسان حاصباني أن الطفل تلقى العلاج على نفقة «أونروا»، «وأُدخل الى المستشفيات وفق المطلوب»، متمنياً من الجميع التحقق من أي معلومات قبل تداولها «حرصاً على صورة القطاع الصحي في لبنان»، علماً بأن صورة هذا القطاع المخدوشة لا تحتاج الى حملات «تشويه»، في ظلّ تذرّع المُستشفيات الخاصة بمحدودية أسرّة العناية الفائقة في لبنان (تقدر بنحو 1500 سرير فقط وفق نقابة أصحاب المُستشفيات الخاصة) لابتزاز المرضى و«عصرهم» للحصول على المال لقاء خدماتها. وأيضاً، في ظلّ تدهور وضع المُستشفيات الحكومية وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المرضى بسبب الفوضى التي تتخبط فيها نتيجة سنوات من الإهمال والتهميش. وهو واقع لا يُنبئ إلا بازدياد حالات الموت على أبواب المُستشفيات، لا سيّما في المناطق النائية.



الصحة للجميع بـ173 مليون يورو
فيما كانت قضية الطفل محمد وهبة تشغل الرأي العام، كانت وزارة الصحة العامة تطلق «البرنامج الصحي المُشترك لدعم مرونة النظام الصحي اللبناني وتوفير الخدمة الصحية والأدوية المزمنة للجميع»، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي و«يونيسف» ومنظّمة الصحة العالمية. في مؤتمر صحافي عُقد في مُستشفى الكرنتينا، أعلنت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن أن «المشاريع التي نطلقها اليوم هي جزء من حزمة صحية بقيمة 173 مليون يورو تشمل الرعاية الصحية الأولية والثانوية وتهدف إلى التوصل إلى خدمات صحية ذات جودة وبكلفة مقبولة ومتاحة لكل من يحتاج إليها في لبنان». وجدّدت التزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز نظام الرعاية الصحية اللبنانية وضمان الوصول الى الأدوية المزمنة واللقاحات والمواد الطبية الأساسية للمجتمعات الأكثر ضعفاً. وأضافت أنّ هذا الدعم سيُمكّن «يونيسف» ومنظمة الصحة العالمية من دعم الأشخاص المحتاجين المقيمين في لبنان من خلال ضمان توفير خدمات الرعاية الصحية ودعم النظام الصحي وتمكينه.