عملية بحث بسيطة بيّنت أنّ شركة «Hacking team» متخصصة بتأمين برامج «سيبرانيّة» (بعض الدول مِن زبائنها الكبار). مزيد من البحث يكشف أن تلك الشركة، وبحسب موقعها، ألزمتها الحكومة الإيطالية بعدم بيع برامجها في إيطاليا أو لأي دولة ضمن الاتحاد الأوروبي. التسريبات تكشف أن دولاً مستفيدة، كزبائن لتلك الشركة، منها السعودية والإمارات وتركيا والبرازيل ونيجيريا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
أما بالنسبة إلى برنامج «Galileo» المذكور، فيتبين أنّه برنامج كمبيوتر يُستخدم لاختراق كافة أنواع الهواتف الخلوية، بما فيها «آيفون» و«بلاك بيري». يُعتبر من أكثر البرامج السريّة فعالية ضمن التكنولوجيا «السيبرانيّة» الهجومية. بإمكانه تسجيل كافة الاتصالات الهاتفية المجراة عبر الهاتف الذكي، أياً كان نوعه. كذلك بإمكانه تسجيل وإرسال جميع الصور والمحادثات، إضافة إلى تحكمه بالكاميرا وبالميكروفون الخاص بالهاتف. برنامج «Galileo» بإمكانه فكّ تشفير الملفات والمحادثات المشفّرة عبر البريد الإلكتروني، أو عبر أي تطبيق، وكذلك يُسجّل المكالمات المجراة عبر تطبيق «سكايب» بالصوت والصورة. أكثر مِن ذلك، بإمكانه اختراق النُّظم الدفاعية الحديثة للمؤسسات والحصول على كل البيانات (بما فيها كلمات المرور وتاريخ البحث).
برنامج «Galileo» الذي سعت الحاج لشرائه يُستخدم لاختراق كافة أنواع الهواتف الخلوية الذكيّة
في المحادثات (اللبنانيّة) المسرّبة، تُبلِغ الرائد الحاج الشركة أنّ غايتها من الحصول على البرنامج هي «الاستفادة منه لمصلحة البلد». تقول إنّه سُيساعد «المكتب» في تحقيقاته. وفي المحادثات نفسها، يعرض ممثل الشركة، المدعو عماد شحاتة، على الرائد الحاج اللقاء في مدينة ميلان الإيطالية، قبل أن يقترح مدينة دبي، وذلك نتيجة عدم موافقة الطرف اللبناني، الذي كان يصرّ على أن يكون اللقاء في بيروت. إلى هنا كلّ شيء بحسب وثائق مسرّبة منذ أكثر مِن 3 سنوات. اليوم، وإثر الفضيحة الأمنيّة التي ارتبطت باسم الحاج، حيث «فُبرِكَت» تهمة تعامل مع العدو الإسرائيلي لمواطن بريء، نكون أمام أسئلة لا بدّ مِن طرحها: هل كانت الحاج، بتواصلها مع الشركة الإيطالية المذكورة، تفعل ذلك «من رأسها» أم بتكليف مِن مؤسستها الأمنية؟ إن كان ذلك، بالأصل، بتكليف مِن المؤسسة، فهل تقصّى المعنيون إن كانت الحاج قد التزمت ما كُلِّفَته، أم أنّها «شطحت» بعيداً؟ هل ما كانت تفعله، أو تنوي فعله، يعود فعلاً «إلى مصلحة البلد» أم إلى مصالح أخرى؟ هل تطرّقت التحقيقات، التي أجريت مع الحاج، والقضيّة عموماً ما زالت أمام القضاء، إلى تلك التفاصيل أم أن لا علم لأحد بها؟ مسألة التجسّس على هواتف خلويّة، هكذا بالمطلق، ليست تفصيلاً يُمكن العبور فوقه، هذا لو كان الأمن في بلادنا بلا «فبركات» وفضائح ثقيلة، فكيف وهو كذلك؟ على وزارة الداخليّة أن تُجيب عمّا يُمكن من تلك الأسئلة، كذلك على المؤسسة الأمنيّة أن توضح، فضلاً عن القضاء الذي، في دولة القانون والمؤسسات طبعاً، سيكون عليه أن يتحرّك للتقصّي ما إن كان هناك من مسّ، أو يمسّ الآن، خصوصيّات اللبنانيين بذلك النحو. الحديث أقرب إلى «الأمن القومي». أخيراً، هل يُمكن أن نتوجّه إلى النوّاب، كلّ النوّاب، الذين يمثّلون الشعب الحامل للهواتف الذكيّة، بطلب توجيه أسئلة إلى المعنيين عن هذا الأمر؟ ليست هذه الأسئلة نكاية، أو تسلية، أو افتراءً حتماً، بل هي «لحماية البلد» حقّاً. من حق دافعي الضرائب، كما يقال، أن يعرفوا إلى ما أفضت تلك المُراسلات السريّة... التي لم تعد سريّة.