أثار التقرير الذي نشرته «الأخبار» أمس، حول رفض لبنان الحصول على هبة من الجيش الروسي للجيش اللبناني، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والعسكرية، لما لهذا القرار من انعكاس على السياسة الخارجية للبنان، وتأثير التدخلات الأميركية فيه.وفيما حاولت أكثر من جهة التشكيك في صحة التقرير، نقلت وكالة رويترز مساء أمس، عن لسان مصدر سمّته «مسؤولاً سياسياً كبيراً»، تأكيداً للمعلومات الواردة في تقرير «الأخبار»، فأكد المسؤول أن الرفض اللبناني جاء بناءً على ضغوط أميركية. وزادت الوكالة نقلاً عن دبلوماسيين غربيين أن قبول لبنان للهبة كان ليحدث مشكلة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، في تأكيد للأسباب الحقيقية التي دفعت لبنان الرسمي إلى التعامل مع الجانب الروسي بهذه الطريقة ورفض الهبة. فلبنان أخفى الأسباب السياسية للرفض، واستخدم ذريعة تقنية، مفادها أن أعيرة الذخيرة المقدّمة في الهبة لا تتناسب مع الأعيرة التي يستخدمها الجيش والمشابهة لمعايير حلف الناتو، مع أن الجيش يملك آلاف البنادق الروسية.
وطوال يوم أمس، لم يصدر أي تعليق رسمي لبناني ردّاً على ما نشرته «الأخبار»، واكتفت بعض الجهات بمحاولة التوضيح للجانب الروسي بصفة غير رسمية، إلّا أن تلقّف الوكالة العالمية للخبر، دفع المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري إلى إصدار بيانٍ ليلاً ينفي فيه رفض لبنان للهبة، معلناً أن «الجانب الروسي تبلّغ الموافقة على تسلّم الهبة، التي ستذهب للزوم قوى الأمن الداخلي في وزارة الداخلية».
في المعلومات، أن «مخرج» نقل الهبة من الجيش اللبناني إلى قوى الأمن الداخلي ابتدعه وزير الداخلية نهاد المشنوق، إلّا أن الجانب الروسي لم يتبلغ رسمياً حتى الآن ما أعلنه الحريري أمس، بل إن الجانب الروسي وُضع بعد إثارة الضجّة في أجواء نقاشات لحلّ أزمة الهبة مع روسيا، ومنها تحويل الذخائر إلى قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام اللبناني.
المشنوق هو صاحب مَخرج تحويل الهبة من الجيش إلى قوى الأمن


نقل الهبة من طرف إلى آخر يحتاج إلى مسار إجرائي بيروقراطي طويل، بين بيروت وموسكو، وبين وزارة الدفاع الروسية والدوائر الروسية الأخرى. وإن كان بإمكان لبنان استقبال الهبة كما أكد الحريري، فكيف إذاً يرفض الجيش الهبة من دون قرار من الحكومة؟ ولماذا قبل الحريري، أو لم يقبل، أن يحصل الجيش على الهبة، وعندها يتمّ تحويلها من الجيش إلى أي جهاز أمني أو عسكري آخر، في إجراء داخلي لبناني، بدل إعادة عملية بيروقراطية طويلة بين الجانبين الروسي واللبناني؟
فقرار استبدال الجهة التي ستحصل على الهبة يتطلّب أوّلاً طلباً رسمياً لبنانياً من الحكومة الروسية، وبعد أن توافق الحكومة الروسية، تبدأ إجراءات إعداد اتفاقية التسليم والتسلم، وإعداد الجانب اللبناني شهادة «المستهلك النهائي»، التي اتفق الروس واللبنانيون سابقاً على إعدادها في نيسان الماضي، ولا تزال من حينها هبة الذخائر تجثم على أرض مرفأ عسكري روسي بانتظار نقلها إلى بيروت.
ثم من قال إن الجيش الروسي يرغب في تقديم المساعدة إلى قوى الأمن أو أي جهاز آخر، بدل الجيش اللبناني؟ فدلالات التعاون العسكري تختلف بين دعم الجيش ودعم الأجهزة الأخرى.
مصادر روسية معنية بالملفّ رفضت التعليق بالنفي أو بالتأكيد على ما ورد في بيان الحريري، لكنّها أشارت إلى أن «المسألة ليست الهبة العسكرية، بل مسار ومستقبل التعاون العسكري بين البلدين».
فتجربة موسكو مع لبنان «مريرة» في هذا المجال، إذ درجت العادة على أن يتفّق الروس واللبنانيون على تعاون عسكري معيّن، ثمّ تأتي التدخلات الأميركية لتمنع اللبنانيين من الإيفاء بتعهداتهم. وهذا الأمر حصل يوم أسقطت هبة المقاتلات والدبابات والمدافع الروسية عام 2008 أول مرة. وفي المرة الثانية، يوم وعد الحريري الرئيس فلاديمير بوتين بفتح اعتماد بمليار دولار من الأسلحة الروسية بقرض طويل الأمد من الجانب الروسي، إلا أن الحريري عاد وأخلّ بالتزامه. كذلك أخلّ الحريري لاحقاً بتعهده توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا العام الماضي، وبدأت المماطلة حتى العام الحالي، لتتوّج برفض الحريري إدراج بند على جدول أعمال آخر جلسة لمجلس الوزراء يقضي بإعطاء الإذن للوزير يعقوب الصراف لتوقيع الاتفاقية.