كشفت جلسة لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية، أمس، عن فضيحة جديدة تضاف الى سلسلة الفضائح التي «اعتادها» اللبنانيون. الجلسة التي عقدت لمناقشة مسألة السيول التي أغرقت كورنيش الرملة البيضا قبل أسبوعين، في حضور ممثلين عن كل المؤسسات العامة المعنية، كشفت أن مجلس الإنماء والإعمار رتّب على الدولة، منذ التسعينيات، ديناً بقيمة تفوق مليار دولار على شكل قروض لتنفيذ محطات تكرير لمياه الصرف الصحي، فيما في الواقع «لا نكرّر في لبنان متراً مكعباً واحداً من المياه المبتذلة، ولا محطات تعمل باستثناء محطات بدائية»، بحسب مداخلة المدير العام لوزارة البيئة بيرت هاتجيان! أين ذهب المليار دولار الذي اقترضته الدولة إذاً؟ لا اجابة في الجلسة لدى مجلس الإنماء والإعمار المحميّ بـ«خيمة زرقاء» تحول دون مساءلته حول كيفية ذوبان القروض.الجلسة التي رأسها رئيس لجنة الأشغال نزيه نجم، في حضور وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدعي العام سمير حمود ومحافظ بيروت زياد شبيب ورئيس بلديتها جمال عيتاني ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل وممثلين عن قوى الامن الداخلي ومصلحة مياه بيروت وآخرين، كانت تهدف الى «معرفة المتسبب في فيضان مجرور ​الرملة البيضاء». وتبيّن، وفق المعلومات، أن محافظ بيروت ورئيس بلديتها كانا على علم بإقفال مالك منتجع «إيدن باي» مسرب الصرف الصحي الرئيسي بالباطون، وقد فتحت البلدية ثلاثة مسارب رديفة لم تستطع تحمل ضغط الأمطار والصرف الصحي. ونقل أحد الحاضرين عن ضابط في قوى الأمن إقراره بأن إقفال الريغار حصل بمؤازرة القوى الأمنية!
أما الفضيحة الأبرز، فهي عدم تسليم المتعهدين الملزّمين من مجلس الإنماء والإعمار لمحطات ضخ جرى الاتفاق عليها منذ التسعينيات. كان يفترض حينذاك إنشاء محطة ضخ وتكرير في برج حمود، إلا أن فعاليات المنطقة رفضت إقامة محطة ضخ وتكرير في أرضها (جرت تسوية الأوضاع اليوم وأبلغت بلدية برج حمود موافقتها على إنشاء المحطة). كان يفترض في موازاة ذلك أن تنشأ محطة أخرى في جنوب بيروت، لكنها لم تنفذ. يبرر مجلس الإنماء الأمر بـ«مشكلة استملاكات». تضمن المشروع أيضاً ربط شبكة الصرف الصحي في بيروت بمحطة ضخ في منطقة السلطان إبراهيم (PS2) جنوب العاصمة تتولى إيصال المياه إلى محطة الغدير (جنوب المطار) التي تقوم بعملية تكرير بدائي قبل أن تضخ المياه الآسنة إلى مكان على عمق 600 تحت سطح البحر، وبعيداً عن الشاطئ بنحو 1700 متر. في عام 2014، تم تسليم محطة السلطان ابراهيم مؤقتاً الى الإنماء والإعمار، إلا أن المجلس لم يشغلها الا في عام 2018، فبقيت كل مياه الصرف الصحي غرب مدينة بيروت وجنوبها تصبّ على شاطئ الرملة البيضا.
قبل افتتاح فندق «إيدن باي»، الصيف الماضي، تقرر نقل أحد مصبات المجارير من شاطئ الرملة البيضا. ولم يكن أمام المعنيين من خيار سوى تشغيل محطة السلطان إبراهيم. وخلال اجتماع دعا اليه محافظ بيروت زياد شبيب في مكتبه ضم رئيسَي بلديّتي بيروت والغبيري وممثلين عن مجلس الإنماء والإعمار ومصلحة مياه بيروت والمحافظة، تقرّر الكشف على محطة الضخ (PS2) ليتبيّن أنها غير جاهزة للتشغيل وتعاني من أعطال كهربائية. قدّر الكشف الأوّلي كلفة تشغيل المضخات الأربع في المحطة بنحو 300 ألف دولار. سرعان ما تم نقل «اللوحات الكهربائية» (المشغِّلة للمضخات) الى فوق الارض وشغلت مضختان من أصل أربع قادرة على استيعاب 1200 متر مكعب بالساعة، أي لا يمكنها استيعاب كل مياه الصرف الصحي الوافدة اليها.
تبين أن بلدية بيروت ومحافظها كانا على علم مسبق بإقفال «ريغار» الرملة البيضا بالباطون

اكتشف المعنيون وجود حائط من الاسمنت منفذ من قبل المتعهد رياض الاسعد، صاحب شركة الجنوب للإعمار، لحماية «لوحات الكهرباء» الخاصة بالمحطة من مياه الامطار والمجارير. مجلس الإنماء نفى علمه بـ«الحائط» الذي تسبّب، معطوفاً على عدم قدرة المحطة على استيعاب المياه الوافدة إليها بعد هطل الأمطار، بحصول طوفان في السلطان إبراهيم والسان سيمون، ما أدى إلى تكبّد السكان وأصحاب المحال التجارية أضراراً جسيمة. على الأثر، طالبت بلدية الغبيري بإعادة المسارب الى ما كانت عليه. جرت إثارة الموضوع مع محافظ بيروت الذي قرّر فتح ثلاثة خطوط رديفة لتحل مكان المجرور الأساسي الذي أغلقه مالك فندق «إيدن باي» بالباطون. فشبيب كان على علم بالتعدي الذي ارتكبه صاحب الفندق، ولكنه تستّر عليه، الى أن سارت الأمور بعكس ما يشتهيه جميع المتورطين، فحصل الفيضان الكبير منتصف الشهر الجاري.
التفاصيل باتت في عهدة القاضي سمير حمود الذي قال خلال الجلسة النيابية أمس إنه لم يُنهِ تحقيقاته بعد، وطالب بأسبوعين إضافيين. في سياق آخر، انتقل المجتمعون إلى البحث عن سبل لفصل مياه الأمطار عن المياه الآسنة، لأنها تصبّ في المسرب نفسه حالياً. وأعلنت بلدية بيروت أن لديها مشروعاً تنموياً ستنفّذه مع «الإنماء والإعمار»، يحتاج بحسب بعض نواب العاصمة إلى إعادة حفر مدينة بيروت من جديد!