لم تهدأ الحرب المستعرة بين المحامين والقضاة. خلافان خلال أسبوع كانا كفيلين بالتصعيد بين جناحي العدالة. اجتماع مجلس القضاء الأعلى مع نقيبي محامي بيروت والشمال لم يأتِ أُكُله بعد. وعلى رغم بيان مجلس القضاء المشدِّد على الاحترام المتبادل في العلاقة بين المحامين والقضاة، إلا أنّ النفوس لم تبرد بعد. حتى أنّ الاعتصام التحذيري الذي دعا إليه مجلس نقابة المحامين في بيروت في تمام الواحدة من بعد ظهر الاثنين، بعد اجتماعه أمس، جاء بعد مطالبة عدد من المحامين إعلان الإضراب دفاعاً عن «كرامة المحامي». ويأتي هذا التصعيد بعدما تفاعلت قضية النزاع في الحادثتين الحاصلتين. ففي حادثة توقيف المحامي علي أشمر من قبل المدعية العامة المالية القاضية نادين جرمانوس على خلفية تلاسنه مع موظفة في صندوق تعاضد القضاة في بيروت، يتداول المحامون أنّ القاضية تجاوزت صلاحيتها بقرارها التوقيف الاحتياطي لمحامٍ بجريمة قدح وذم، من دون حضور أحد من ممثلي نقابة المحامين. ويتداول عدد من المحامين أنّ القاضية أخذت بإفادة الشاكية من دون الاستماع لإفادات الشهود الذين كانوا موجودين. ويرى المحامون أنّ ما جرى يشكّل سابقة لجهة اتخاذ قاضٍ قرار توقيف محامٍ على خلفية سجال كلامي مع موظّف، علماً أنّ الموظفة لم تتّخذ صفة الادعاء الشخصي الموجب لتحريك دعوى الحق العام.وفي الوقت الذي صرح النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود خلال اجتماع نقيب المحامين مع مجلس القضاء الأعلى قبل يومين بأن إجراءات النيابة العامة لجهة التوقيف والملاحقة هي قانونية وسليمة، إذ «تجوز ملاحقة المحامي والادعاء عليه عندما يكون الجرم مشهوداً من دون الاستحصال على قرار من مجلس النقابة بإعطاء الإذن بالملاحقة»، يجيب المحامون أنه لا يجوز ملاحقة المحامي بجرم ناشئ عن المهنة سواء كان الجرم مشهوداً أم لا إلا بناء على قرار من مجلس نقابة المحامين بإعطاء الإذن بالملاحقة. وأي تفسير آخر، بحسب محامين، إهدار للحصانة وانتقاص منها وإلغاء لمبرراتها، إذ تنص المادة ٧٩ من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أن ملاحقة المحامي جزائياً والادعاء عليه مشروطان بالاستحصال على قرار من مجلس النقابة يأذن فيه بالملاحقة. وما زاد الطين بلة، إحالة المدعي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر الملف على محكمة جزاء بيروت مقترناً بالادعاء بجرائم المادة ٣٨١ وما يليها من قانون العقوبات لجهة معاملة موظف بالشدة أثناء الوظيفة وجرائم التحقير والقدح والذم والتي تصل عقوبة بعضها إلى السجن ثلاث سنوات، الأمر الذي وجدت فيه نقابة المحامين خرقاً للتهدئة التي جرى الاتفاق عليها خلال الاتصالات مع القضاء.
أما في الخلاف الحاصل بين المحامي نبيل رعد والقاضية سمر البحري، والذي لجأت فيه القاضية إلى الادعاء على المحامي طالبة دفع تعويض قدره عشرة ملايين ليرة ومنحها لجمعية الرفق بالحيوان، ما عُدّ تحقيراً للمحامي، جرى التداول بإفادة أحد الشهود الذي كان حاضراً لدى حصول الخلاف بين المحامي والقاضية، ما أظهر بأنّ هناك تعارضاً بين الوقائع التي أوردتها القاضية في مقابل إفادة أحد الشهود، المحامي فادي محسن. وقد ورد في متن الإفادة أنّ المحامي رعد «طلب من القاضية في جلسة الإيجارات تقرير تقصير المُهل لضرر لحق به، إلا أنّ المحكمة رفضت. أصرّ المحامي رعد على طلبه راجياً القاضية أنّ تُمهله دقيقتين ليوضح سبب طلبه تقصير المهل. وأمام إصرار الزميل، قررت المحكمة رد الطلب (...). فأجاب رعد الرئيسة: شو القصة نكاية؟ لترد عليه: «طلاع برّا». فأجابها: «مش هيك يا رئيسة»، لتصر وتكرر طلبها بأن يخرج من قاعة المحكمة مكررة أكثر من مرة: «طلاع برا»». وذكر الشاهد أنّه حاول تهدئة الرئاسة في الوقت الذي تدخّل فيه عدد من المحامين الحاضرين في قاعة المحكمة مع المحامي رعد طالبين عدم خروجه لأنّ ما حصل غير مقبول». وقد «أصرّت القاضية على أنّ المحامي رعد تطاول عليها لتسجّل ذلك في محضر المحاكمة من دون أن يتلفّظ الزميل بأي عبارة نابية أو مسيئة». كذلك ردّ المحامي رعد قائلاً إنّ «ما أوردته القاضية في مضمون شكواها مجافٍ للحقيقة»، مشيراً إلى أنّ «القاضية بادرت بطريقة استعلائية إلى تدوين قرار الرفض واتخذت قراراً فورياً بالرفض يتجاوز أصول التعاون بين جناحي العدالة نظراً للأسلوب الذي تمّ فيه». وأضاف المحامي أنّه عندما أجابها: «شو القصّة نكاية؟»، خرجت القاضية عن طورها وصرخت: «طلاع برا». عندها أجابها المحامي: «مش هيك يا ريسة نحن نحترمك لأننا محترمين، فاحترمي نفسك لو سمحت»، فعلا صوتها مجدداً بالقول: «طلاع برا».