كلما أرادت السعودية إيصال رسالة إلى أصدقائها وخصومها في لحظة سياسية ما، كانت البحرين بريدها الأفضل. المملكة التي تعيش على وقع تداعيات اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، تريد إفهام الحلفاء والأعداء بأن أوراق القوة لا تزال في يدها، وبأن طأطأة الرأس لعاصفة خاشقجي لا تعني أن النظام السعودي لم يعد قادراً على التحرك. أول من أمس، استقبل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في قصره في الدرعية، ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. زيارة تصفها مصادر المعارضة البحرينية بـ«المفاجئة والسريعة». هذا التوجّس سرعان ما سيجد طريقه إلى الترجمة مع إعلان القضاء البحريني الحكم على الأمين العام لجمعية «الوفاق» المعارِضة بالسجن المؤبّد في القضية المعروفة بـ«التخابر مع قطر». هو «ضوء أخضر للحكم على الشيخ علي سلمان أُخذ إذاً من السعودية» وفق ما تؤكد المصادر نفسها.يوماً بعد يوم، يتضح أن الرياض تتخذ من المنامة أداة في مواجهتها الحملة المضادة لها على خلفية أزمة خاشقجي. صحيح أن معظم عدّة المواجهة السعودية قائمة على تليين الموقف والتودّد إلى الخصوم وإرخاء القبضة الحديدية، إلا أن ذلك لا يمنع المملكة من الاستنجاد بالإسرائيليين والمحاربة بالنظام البحريني. حتى إن ذلك الاستنجاد جاء، في صورته الأوضح، على لسان وزير خارجية نظام آل خليفة، خالد بن أحمد، عندما أثنى على إشادة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بدور السعودية في حفظ «استقرار المنطقة والعالم». تطوّع يوازيه رضوخ لإرادة السعودية إعادة تفعيل الضغط على المعارضة البحرينية وترهيبها، بهدف إثبات «علوّ كعب» في المنطقة إزاء الضغوط التي تستهدف «كسر أنف» ولي العهد محمد بن سلمان.
«الوفاق»: الحكم يعكس حجم الفوضى والتبعية لدى النظام البحريني


وحكمت محكمة الاستئناف العليا في البحرين، أمس، على سلمان واثنين من مساعديه (حسن سلطان وعلي الأسود) بالسجن المؤبّد، بتهمة «التخابر مع قطر وتسليم أسرار دفاعية لدولة أجنبية». وترجع تلك التهمة إلى مبادرة أميركية ــــ خليجية لحلّ الأزمة في البحرين، أُعلن عنها عام 2011 وكان ملك البلاد حمد بن عيسى طرفاً فيها، إلا أن النظام «حوّلها إلى قضية تخابر بعد الخلاف بين الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ودولة قطر»، وفق ما ذكرت «الوفاق» أمس في بيانها. وترى مصادر من داخل الجمعية الإسلامية المعارِضة، التي تمّ حلّها في تموز/ يوليو 2016، أن الحكم الجديد يأتي «ضمن التداعيات التي تمرّ بها المنطقة»، لافتة في الوقت نفسه في حديث إلى «الأخبار» إلى قرار مقاطعة الانتخابات (المقررة في الـ 24 من الشهر الحالي) الذي أعلنته «الوفاق» في مؤتمرها الأخير في لندن، مع ما «تسبّب به من إزعاج للسلطات». وتشير المصادر إلى أن «إنهاء حالة المعارضة في البحرين هو مطلب سعودي ــــ إماراتي ملحّ، ودائماً ما يُطرح على طاولة اجتماعاتهم كنوع من الابتزاز لقاء الدعم المالي».
وفي بيانها الذي أصدرته تعليقاً على الحكم، رأت «الوفاق» أن «المؤبد بحق زعيم المعارضة في هذا التوقيت، بعد حكم البراءة السابق (الصادر في حزيران/ يونيو الماضي)، يعكس حجم الفوضى والتبعية، وهو أمر ليس خافياً على أحد»، محذرة من أن «النظام البحريني ذاهب إلى الأسوأ في سرقة المال العام، وجلب مزيد من الأجانب لاستبدال شعب البحرين بهم، والارتماء في أحضان الصهاينة، مقابل الحصول على الدعم والرعاية»، مؤكدة في الوقت نفسه أن «ألاعيب الحكم لم تعد تجدي نفعاً، وأن التغيير والإصلاح هو الطريق الوحيد». وفيما أجمعت قوى المعارضة وشخصياتها على إدانة الحكم «المخزي» المستند إلى تهم «مفبركة»، صدرت ردود فعل مماثلة من خارج البحرين، في مقدمها بيان لـ«حزب الله» عدّ القرار «تعبيراً جلياً عن الهوية القمعية والديكتاتورية لحكام البحرين»، معتبراً أن «صدوره في هذا التوقيت يهدف إلى تهيئة الأجواء لزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني للمنامة». وفيما دعا «منتدى البحرين لحقوق الإنسان» إلى تجميد عضوية البحرين في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وصفت منظمة «العفو الدولية» الحكم الأخير على سلمان بأنه «مهزلة قضائية تظهر الجهود المستمرة وغير القانونية التي تقوم بها السلطات البحرينية لإسكات أي شكل من أشكال المعارضة».