يوم أول من أمس، انتخب التيار الوطني الحر مجالس بعض أقضيته، في حين توصل الجزء الآخر الى تسوية بين مختلف الأطراف المعنيين في القضاء، ففازت مجالسه بالتزكية. ولكن منذ البداية، كان واضحا أن أقضية جبيل وكسروان وزحلة وجزين والشوف تتجه نحو معركة قاسية، نتيجة التشنّج الذي واكب عملية تعيين المنسّقين فيها، ولو اختلفت أسباب الصراع من قضاء الى آخر. وتجدر الاشارة أولاً الى أن الشؤون الانمائية والخدماتية والسياسية منوطة بمجلس القضاء، وهو جزء من المجلس الوطني الذي يضم الى جانب أعضاء مجلس القضاء الخمسة المنتخبين، النواب والوزراء ورؤساء المجالس البلدية الكبيرة ونوابهم (أي تلك التي تتألف من 15 عضواً وأكثر) والنقابيين ومسؤولي العلاقات العامة والبلديات ومنسق القضاء، إضافة الى ثلاثة من أعضاء الهيئة. لكن انتخابات هذا المجلس (جرت وفق طريقة صوت واحد لمرشح واحد) تكتسب أهمية هذه المرة بنحو خاص، لأن منسق القضاء والهيئة أتوا بالتعيين من قبل القيادة الحزبية، فأصبح المجلس بمثابة الرقيب على المنسّق وهيئته. كذلك فإن المجلس سيكون (لا هيئة القضاء المعينة) الأساس في انتخابات المكتب السياسي التي تقام في الرابع من الشهر المقبل. وبالتالي، إذا فُعّل عمل المجلس كما يجب، خلافاً للسنين السابقة، يجدر بمنسّقي الأقضية وهيئاتهم أن يعملوا بجهد لإثبات أنفسهم، خصوصاً أنهم أتوا بالتعيين لا بالانتخاب، كما المرة السابقة. إشارة أخرى هنا الى أن الفائز الأول بين المرشحين الى مجلس القضاء يصبح تلقائياً مقرر المجلس، فيما يتسلم ثاني الفائزين منصب أمانة السر. لذلك كانت المعركة الأشرس في الأقضية على منصب المقرّر، خصوصاً في الأقضية التي أراد فيها بعض الحزبيين إيصال رسالة الى القيادة التي لم تأخذ برأيهم عند تعيين المنسقين، أنهم موجودون وسيتابعون عمل المنسق المعيّن خطوة بخطوة.
مرشّح روكز أول في كسروان
البداية من جبيل وكسروان، حيث بدا لافتاً تبنّي جزء من حزبيي التيار الوطني الحر تكتيكاً انتخابياً يقضي بتبنّي مرشح واحد من أصل خمسة والتركيز عليه، لصبّ كل الأصوات له بهدف إيصاله الى المركز الأول، أي تسليمه منصب المقرر. هكذا فاز أنطوان باسيل (302 صوت) في كسروان بالمركز الأول. وباسيل كان أحد المرشحين الى منصب المنسّق، وهو من الفريق الموالي للنائب شامل روكز، فيما الفائزون الأربعة الباقون، وهم جان قرقماز (286 صوتاً) وأمل الخوري (284 صوتاً) وداني القزي (273 صوتاً) وشربل أبي رزق (265 صوتاً)، ملتزمون مع رئيس التيار جبران باسيل. وهنا يقول بعض حزبيي كسروان إن ماكينة روكز كانت حاضرة وتعمل على تجييش جماعتها لانتخاب أنطوان باسيل، على اعتبار أنها معركة إثبات وجود، فيما «ترشّح باقي الحزبيين بشكل طبيعي، وجرى تقاسم الأصوات بينهم، ففاز أربعة من أصل خمسة في المجلس». أما أصدقاء مقرر المجلس أنطوان باسيل، فيجزمون بأنه لا كلمة سرّ من روكز، فكل ما جرى لا يتعدى إطار «التنافس الحزبي». إلا أن الطرفين يؤكدان أنهما سيقومان بدور الرقيب على عمل المنسق الذي يبدو أن «ولايته ستنتهي قبل أن تبدأ». فبنظرهم، «أن يرسل المنسق جوليان حداد ممثلين عنه الى النشاطات والاجتماعات على نحو لا يفعله رئيس التيار حتى، فذلك يستدعي إعادة النظر في تعيينه وفي مدى مطابقته لصفات المنسق بشكل عام».
تمكن أمل أبو زيد «غير الحزبي» من التفوّق على النائب الحزبي زياد أسود


كما في كسروان، كذلك في جبيل. لم يبلع مستشار وزير الخارجية طارق صادق وفريقه قرار باسيل تعيين المنسق أديب جبران، رغم تهديداتهم الضمنية بالاستقالة، التي لم تسلك طريقها الى التحقق. فكان الخيار الأفضل إيصال رسالة اعتراضهم الوحيدة الى مجلس القضاء، وكمقرر، وهو ما حصل بفوز بسام غانم بالمرتبة الأولى بـ714 صوتاً، فيما فاز أربعة آخرون، وهم من غير المعترضين على قرار القيادة الحزبية: مروان ملحمي (614 صوتاً)، نزار الخوري (317 صوتاً)، زياد الهاشم (185 صوتاً)، زخيا سيف (131 صوتاً). وهو ما ينذر باستمرار الانشقاق القديم في صفوف التيار. إشارة هنا الى أن قضاء جبيل يحلّ أول في عدد البطاقات الحزبية، وبالتالي سيكون له وزن أكبر من باقي الأقضية في انتخابات المكتب السياسي، يليه المتن الشمالي وكسروان وعكار.

جزين مع أبو زيد
مفاجأة الانتخابات كانت في جزين. لطالما قام الصراع بين النائب زياد أسود والنائب أمل أبو زيد على «الشعبية» في صفوف التيار، ولطالما صنّف أبو زيد في خانة الطارئين على الحزب من نادي رجال الأعمال. إلا أن نتيجة الانتخابات أول من أمس أعادت خلط الأوراق، وأحدثت صدمة لفريق أسود، حيث حلّ مرشح أبو زيد أول بـ173 صوتاً، وحلّ مرشحه الثاني خامساً بـ93 صوتاً. أما مرشح زياد أسود الرئيسي الى منصب المقرر فكان الياس كرم الذي نال 95 صوتاً، فيما حلّ كل من المنسّق السابق أسعد هندي ودومينيك عاقوري في المرتبتين الثانية والثالثة. أما السؤال عنهما فيفضي الى تصنيفهما في خانة الحزبيين الذين لا يوالون هذا ولا ذاك.

زحلة «مش لحدا»
في زحلة، المعركة بدأت فور انتهاء الانتخابات النيابية. يومها انتفض فريق على المنسّق السابق قزحيا الزوقي من باب أنه عمل ضمن ماكينة أسعد نكد، فطالب هؤلاء بمحاسبته، الأمر الذي لم يتم، لعدة أسباب، منها أن الزوقي أكد مراراً أن قراره لم يكن فردياً ولكن بإيعاز من القيادة الحزبية، مذكّراً بأن نكد كان متحالفاً مع التيار. وفعلياً، جرت المعركة بين طرفين، الزوقي والنائب سليم عون. وفيما يؤكد الزوقي استقلاليته، يقول البعض إنه مدعوم من الوزير السابق غابي ليون. المفاجأة هنا أن الزوقي، رغم كل الاتهامات التي طالته، تمكن من الحلول أول والفوز بمنصب المقرر بـ264 صوتاً، فيما حلّ مرشح النائب عون (يدعمه نائب رئيس بلدية زحلة طوني بو يونس) إيلي عبد الأحد في المرتبة الثانية بـ235 صوتاً (عبد الأحد هو منسّق سابق أيضاً). من ناحية أخرى، تمكن توفيق أبو رجيلي من حصد 154 صوتاً ليفرض نفسه واحداً من أقوى المرشحين في التيار، علماً بأنه غير مدعوم من أي نائب أو وزير، ولكن يواليه فريق حقق خرقاً استثنائياً في قرى شرق زحلة، لا سيما بعد انسحاب سامي أبو فيصل لمصلحته، وذلك من باب صبّ كل الأصوات نحو مرشح واحد. وحل كل من بولس مزرعاني (58 صوتاً) وابراهيم الأحمراني في المرتبتين الرابعة والخامسة. وكانت النتائج الاولية قد أظهرت خسارة الأخير وفوز أسعد حداد، إلا أن إعادة الفرز أظهرت تعادل الأحمراني وحداد بخمسين صوتاً لكل منهما، ما يعني فوز الأول بفارق السن.

انتخابات 2022 في الشوف!

لانتخابات مجلس القضاء في التيار الوطني الحر في الشوف قصة تتداخل فيها المصالح الحزبية والسياسية بطموحات كبيرة تصل الى عام 2022، تاريخ الانتخابات النيابية المقبلة. لذلك، جهد كل نائب أو مشروع مرشح، إلى إيصال مرشحيه لإظهار قوته داخل الحزب. وجاءت النتائج متقاربة جداً، بحيث فاز يوسف رزق الله بـ150 صوتاً، وريتا بولس بالمرتبة الثانية بـ133 صوتاً (علماً بأن النتائج الأولية وضعت بولس في المرتبة الأولى ورزق الله في المرتبة الثانية، قبل أن يُعاد الفرز بناءً على طعن).


وحل وليد صابر ثالثاً بـ124صوتاً وعبده نعمة بـ96 صوتاً، فيما كان مازن الغريب آخر الرابحين بـ91 صوتاً. ريتا بولس مدعومة من المرشح الكاثوليكي والمنسق السابق غسان عطالله وعلاقة الأخير بالمنسق الحالي العميد المتقاعد جوزيف نصار باردة. للرواية هنا وجهان. الأول يقول إن جبهة تشكلت من نصار وبعض العمداء المتقاعدين، كمستشار رئيس الجمهورية ويلسون نجيم، ووزير البيئة طارق الخطيب، تبنّى هؤلاء ترشيح يوسف رزق الله، وهو نائب رئيس بلدية الدامور ومستشار وزير البيئة. نتائج الانتخابات السابقة باعدت بين الوزير ومستشاره لفترة، بعد أن أتت نتيجة الدامور غير مرضية للخطيب، غير أن المنسّق الحالي عقد صلحة بينهما يوم الأربعاء الماضي، بغية إعادة توحيد الجهود، فيما كان يفترض أن يكون المنسّق على الحياد في هذه المعركة. لكن، ودائماً على لسان الطرف الأول من الرواية، «عين هؤلاء على الانتخابات النيابية» المقبلة عام 2022! وكان من الطبيعي تالياً ألا يضع المرشح الكاثوليكي غسان عطالله يده بأيديهم ما دام واحد منهم ينافسه على المقعد النيابي. الأمر نفسه بالنسبة إلى النائب ماريو عون الذي تمكّن من إيصال عضوين حلّا في المرتبة الرابعة والخامسة، وهما عبده نعمة ومازن الغريب. وكان من الطبيعي أن يطعن فريق المنسّق في نتائج الانتخابات ليحاول تطيير مقررة المجلس، أي ريتا بولس، من مركزها لإيصال رزق الله اليه. ففعلياً، مقرر المجلس أو مجلس القضاء بشكل عام، إذا قام بمهمته، يمكن له إزاحة المنسّق أو بالحدّ الأدنى التضييق عليه. فخلافاً لباقي الأقضية، في الشوف لا رؤساء بلديات ينضمون الى المجلس ولا نقابيون، فقط نائب واحد حزبي هو ماريو عون والوزير طارق الخطيب الذي من المتوقع أن يصبح وزيراً سابقا. الوجه الثاني ينقض كل ما سبق، وينفي قصة ربط التحالف المفترض بالانتخابات النيابية المقبلة. القصة بسيطة هنا، «فعطالله لم يقم بأي خطوة إيجابية نحو المنسق الجديد، لا بل آثر محاربته قبل وصوله حتى، وأصرّ على المضيّ قدماً بمرشحته لإثبات وجوده في القضاء، وأمام رئيس التيار. وما يسري على عطالله يسري على ماريو عون».