يوم الخميس الماضي، التقى النائبان تيمور جنبلاط ووائل أبو فاعور مع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور محمد قرقاش. ويوم الجمعة، استقبل قرقاش رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والوزيرين السابقين سليم الصايغ وآلان حكيم. أمّا السبت، فكانت مأدبة عشاء جمعت قرقاش مع وزير القوات اللبنانية ملحم رياشي.البيان الصادر عن جنبلاط أفاد بأنّه زار أبو ظبي «تلبيةً لدعوة من مجلس العمل اللبناني»، حيث التقى الجالية اللبنانية، ثمّ انتقل إلى دبي ليلتقي أيضاً الجالية والماكينة الانتخابية للحزب التقدمي الاشتراكي. على العكس من جنبلاط، «اعترف» الجميّل بزيارته، مُتباهياً بتلقيه «دعوة من قيادة دولة الإمارات لزيارتها». أما زيارة وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، فقد اتسمت بطابعٍ سرّي. وكان لافتاً أنّه خلافاً للجميّل وجنبلاط اللذين سافر كل منهما مع وفدٍ، وُجّهت الدعوة الإماراتية إلى الرياشي وحده كمُمثل عن القوات اللبنانية. ثنائي ما كان يُعرف بـ«14 آذار»، أي مُمثلَي حزبَي الكتائب والقوات، وصلا إلى الإمارات العربية المتحدة، على متن طائرة واحدة... «بالصدفة». حتى زيارة الثلاثي للإمارات في الوقت نفسه، ولقائهما كلّ بتوقيت منفصل مع نفس الجهة (وزير الدولة للشؤون الخارجية)، في توقيت يسبق تشكيل الحكومة اللبنانية، أمرٌ أيضاً تكفّلت به «الصدفة». هكذا تُريد مصادرهم منّا أن نُصدّق.
مُهندس اللقاءات الثلاثة، هو السفير الإماراتي لدى لبنان حمد الشامسي. الدبلوماسي الآتي من خلفية استخباراتية، ترتفع وتيرة نشاطه حين يشعر بأنّ السعودية «مُنكفئة» نوعاً ما عن التدخل المباشر في الأحداث المحلية، طمعاً «بملء الفراغ». فالرجل صاحب نظرية أنّه لا يجب «ترك الساحة خالية لحزب الله». مُشكلة الشامسي أنّ دولته لا «تلعب» في الساحات الإقليمية إلا تحت مظلّة السعودية، وبرعايتها. أحد المسؤولين اللبنانيين يُقدّم الأموال السياسية التي تدفعها الإمارات، مثالاً على ذلك. فكلّ فلس «تدفعه أبو ظبي للأحزاب اللبنانية، يكون بعلمٍ ومباركة سعودية». العقلية التي يعمل وفقها المندوب الإماراتي في بيروت، والسياسة التي تنتهجها أبو ظبي والرياض في تعاملها مع لبنان، تُصعّبان تصديق وجود «نية حسنة» خلف الاستدعاءات الثلاثة، حتى ولو كانت كما تُريد المصادر الترويج بأنّه «طمأنة الحلفاء بأنّ الإمارات تقف إلى جانبهم، ولا تزال تهتم بالشأن اللبناني».
خلال اجتماع المكتب السياسي لحزب الكتائب يوم الاثنين، قال الجميّل إنّه لبّى الدعوة الإماراتية، وتباحث مع مضيفيه في الملفات الإقليمية وناقشهم بشأن «ضرورة تحييد الجالية اللبنانية في الإمارات عن المواقف السياسية التي تصدر عن قوى محلية في لبنان، وأن لا يدفع أبناء الجالية الثمن من خلال ترحيلهم». لكن آخرين التقوا قرقاش يؤكدون أنّ البحث معهم لم يتناول وضع الجالية اللبنانية.
تسعى الإمارات إلى تكوين تجمّع عربي يكون شريكاً في مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي


تُصرّ المصادر على أنّ «الزيارات عادية ولم يُسفر عنها شيء». تضعها في إطار «رغبة أبو ظبي في القيام بجولة أفق حول أوضاع المنطقة. قيل إنّ الإمارات ترغب في أن تضعنا، كأصدقاء، بصورة التطورات الإقليمية في ملفات إيران وقطر وسوريا». مُضحك الجواب، ويستدعي السؤال الجدّي عن النفوذ الذي يملكه حزبٌ كالكتائب بالكاد تمكن من الفوز بثلاثة نواب في الانتخابات النيابية الأخيرة، ويجري التعامل معه كفريق «هامشي» محلياً، حتى يُناقَش معه الوضع الإقليمي؟ لماذا قد تهتم الدولة الإماراتية في «تشارك النظرة» الإقليمية مع تيمور جنبلاط، الذي لا يزال يعيش في جلباب أبيه، و«يُنازع» من أجل الحفاظ على التركة التي ورثها، وهاجسه الأكبر هو ووالده النائب السابق وليد جنبلاط الحفاظ على «الوجود»؟ الوحيد الذي قد تُفهم دعوته إلى الإمارات، هو حزب القوات اللبنانية، لكونه الأداة الرئيسية لتنفيذ الأجندة الخليجية في لبنان. تبادل المعلومات معه لتوظيفها محلياً «أساسي»، وربما لأنها على هذا المستوى من الجدية، أريد لزيارة رياشي لأبو ظبي أن تبقى سرية.
«فعلاً، لم يتناول البحث أي موضوع أساسي، وتحديداً تشكيل الحكومة». ألا تُحضّر الإمارات لمعركة (سياسية واقتصادية وربما أمنية) جديدة ضدّ حزب الله وإيران؟ «لا شيء. الإماراتيون، أصلاً، يراقبون السياسة الأميركية، وبناءً عليها يوجهون مصالحهم». تتحضر الولايات المتحدة الأميركية في الفترة المقبلة، لفرض المزيد من العقوبات على إيران، وتصنيفها لشركات ورجال أعمال لبنانيين على لائحة الإرهاب مُستمر. مع ذلك، تُصرّ المصادر على نفي تشكيل أي جبهة جديدة، «رغم أنّ التوقعات الإماراتية للمرحلة الإقليمية المقبلة أنّها ستكون صعبة». وتُضيف مصادر بعض الذين التقوا قرقاش أنّه «لمسنا من خلال الحديث، انفتاحاً إماراتياً تجاه سوريا، لا يزال في بداياته». يتوافق ذلك، مع ما نشرته «الأخبار» في منتصف أيلول الماضي عن لقاء نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني الإماراتي علي محمد بن حماد الشامسي مع رئيس الإدارة العامة للمخابرات العامة في سوريا اللواء ديب زيتون. تُضيف المصادر اللبنانية أنّ قيادة أبو ظبي تسعى إلى «تكوين تجمّع عربي ليكون شريكاً في مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي، مع التسليم بأنّ النظام الحالي برئاسة بشار الأسد باقٍ».