أصدر المدير العام للمناقصات، جان العليّة، مذكرة تقضي بتأجيل مناقصة المعاينة الميكانيكية إلى تاريخ يعلن عنه لاحقاً، بالاستناد إلى قراري مجلس شورى الدولة الصادرين في 30/12/2015 و14/1/2015. وأشارت المذكرة إلى أن دفتر الشروط الخاص بصفقة تلزيم «مشروع تحديث وتطوير وتشغيل محطات المعاينة الميكانيكية الموجودة وأعمال تصميم وبناء وتجهيز محطات جديدة»، ورد إلى إدارة المناقصات من قبل وزير الداخلية وأرسل إلى رئاسة مجلس الوزراء على أنه الدفتر الموافق عليه في قرار مجلس الوزراء رقم 83 تاريخ 8/4/2015. وبالتالي، فإنه في ظل صدور قرارين عن مجلس شورى الدولة يتعلقان بدفتر الشروط والتعديلات التي أجريت عليه، فقد طلب العلية «إعادة دفتر الشروط إلى وزير الداخلية والبلديات مع رجاء إجراء المقتضى وفقاً لقراري مجلس الشورى». قرارات متناقضة
إذاً، جاءت المذكرة بعد صدور قرارين عن مجلس شورى الدولة عن الغرفة نفسها التي يرأسها القاضي شكري صادر. القرار الأول صدر عن القاضي شكري صادر بوصفه رئيس القضاء المستعجل في مجلس شورى الدولة، في 30 كانون الأول 2015. هذا القرار الصادر بلهجة جازمة استعملت عبارة «من الثابت في أوراق الملف»، يشير إلى أن هيئة إدارة السير أجرت تعديلات على دفتر شروط مناقصة المعاينة الميكانيكية بصورة مخالفة لقرار مجلس الوزراء. وهو قرار جاء نتيجة الاعتراض المقدّم من تحالف 3 شركات («Controle technique automobile hallinest»، وشركة توما للهندسة والأبحاث، ومؤسسة سوبال الهندسية الممثلة بشركة فال السعودية المحدودة فرع لبنان)، ادّعت على هيئة إدارة السير بأنها أجرت تعديلات على دفتر الشروط الموافق عليه في مجلس الوزراء بهدف إقصائها من المشاركة في المناقصة. ويقول صادر إنه «جرى إدخال تعديلات على دفتر الشروط من قبل المستدعى بوجهها الثانية (هيئة إدارة السير) بإضافة شروط جديدة، سواء لجهة تصنيفISO 17020 أو لجهة عدد المعاينات (أصبح الشرط تنفيذ العارض أعمال مماثلة بنوعيتها لمدّة 10 سنوات وأجرى معاينة ميكانيكية لثلاثة ملايين مركبة في كل سنة على الأقل)».
الثابت في القرار الأول صار متحركاً في القرار الثاني

إلا أن هيئة إدارة السير استأنفت القرار في 31/12/2015، وأشارت إلى أن التعديل في المؤهلات الفنية التي يجب أن تتوافر لدى العارض لجهة إضافة تصنيف ISO 17020 «نصّ عليها الجدول المتضمن ملاحظات الوزراء على دفتر الشروط وأتت إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء رقم 83/2015... إن اعتماد هذا التصنيف لإدارة المراكز وتشغيلها يعود لأن هذا التصنيف متخصص بعمليات المعاينة، ولا سيما المعاينة الميكانيكية، بما يضمن الجودة ومعايير تضمن حيادية الجهة التي تقوم بإجراء المعاينة وبما يحمي المواطن من القرارات الاستئنافية».
بالنسبة إلى تعديل الشرط الثاني المتعلق بالحدّ الأدنى من المعاينات التي يفترض أن العارض نفذها سنوياً والتي حدّدت بثلاثة ملايين مركبة، فقد قالت الهيئة إن هذا الشرط «جاء وفقاً لجدول ملاحظات الوزراء المتوافق عليه في مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 83/2015».
اللافت أن هيئة إدارة السير قالت إن «القرار المستأنف لم يتضمن إدلاءاتها حول نقاط النزاع المثارة والتي أدلتها بموجب كتاب موجّه إلى وزير الداخلية والبلديات تحت الرقم 23942/3 تاريخ 29/12/2015 وذلك خلال 24 ساعة من تاريخ تبلغها كتاب هيئة القضايا في وزارة العدل المسجّل في قلمها بتاريخ 29/12/2015». وهذا يعني أن صادر رفض إدلاءاتها، أو لم يمنحها الوقت الكافي لتقديم إدلاءاتها، وهو أمر يثير التساؤلات.
شرط للمشاركة أم للتنفيذ؟
في المقابل، ردّ تحالف الشركات على مطالعة الهيئة، بواسطة محاميه النائب السابق بهيج طبّارة، بالإشارة إلى «وجود خلط بين وجود معيار الـISO 17020 كشرط من شروط التنفيذ بعد رسوّ الالتزام، وبين وضع هذا المعيار كشرط من الشروط الفنية للاشتراك في المناقصة، وأن هيئة السير أقرّت بأن إضافة هذا الشرط جاء ليتناسب مع مضمون المادة 30 و44 من دفتر الشروط الأساسي بعدما سقط سهواً، وهذا ما أكّد عليه وزير الاقتصاد والتجارة في كتابه المؤرّخ في 13/10/2015 والذي كان حاضراً في جلسة مجلس الوزراء». ولفت إلى وجود فرق بين الأوراق التي وزّعت على الوزراء وتضمنت ملاحظات وزير الداخلية عليها والتي تتضمن التعديلات التي أضيفت على دفتر الشروط، وبين القرارات الفعلية الصادرة عن مجلس الوزراء فعلياً.
إذاً، المشكلة في معيار الـISO 17020 أنه كان موضوعاً في دفتر الشروط كشرط لتنفيذ الالتزام الذي يرسو على إحدى الشركات العارضة، وليس شرطاً للاشتراك في المناقصة. نقطة الخلاف هذه أساسية لمسار المناقصة، لا بل إنها مؤشر على تعاطي قضاء العجلة في مجلس شورى الدولة مع النزاعات على الصفقات العمومية. وهذه النقطة بالتحديد كانت بين مجموعة ملاحظات إجرائية أعدّتها إدارة المناقصات تعليقاً على دفتر الشروط الذي أعدّته هيئة إدارة السير، وقد أبلغت هذه الملاحظات إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وبينها ملاحظة تشير إلى أن دفتر الشروط نصّ على وجوب حصول الشركة التي يرسو عليها الالتزام على تصنيف ISO 17020.
صادر «ثابت»
وكما في القرار الأول، كانت العبارات المستعملة في القرار الثاني جازمة تبدأ بـ«من الثابت في أوراق الملف». إلا أن الثابت في القرار الأول صار متحركاً في القرار الثاني الذي أشار إلى أن التعديلات التي أجريت على دفتر الشروط لجهة إضافة شرط ISO 17020 قد جاءت «وفقاً لملاحظات الوزراء التي أبدوها على دفتر الشروط في جلسة مجلس الوزراء رقم 83/2015 بموجب جدول المقارنة الذي تقدم به وزير شؤون التنمية الإدارية والذي أُبرزت صورة عنه ممهورة بختم الأمانة العامة لمجلس الوزراء». وبالتالي فإن التعديلات التي أجريت على هذا البند تقع في موقعها الفعلي.
أما في ما خصّ التعديلات لجهة عدد المعاينات المطلوب من العارض أن يكون أجراها، وهو ثلاثة ملايين مركبة في السنة، كشرط لقبول طلبه وتأهله، فإنه «لا يتبين من الملف الإداري المبرز أن هذا التعديل قد جرى بحثه وإقراره في جلسة مجلس الوزراء رقم 83/2015 تاريخ 8/4/2015، ولا سيما أن الملاحظات الواجب أخذها بعين الاعتبار وإدخالها كتعديلات على دفتر الشروط الأساسي هي تلك التي يجب أن يكون قد ثبت أن الوزراء قد أبدوها في جلسة مجلس الوزراء المذكورة».





استياء الشركات
أثار قرار القاضي شكري صادر استياء بعض الشركات المشاركة في المناقصة، مشيرة إلى أن الاعتراضات على شروط المناقصة لا تقع في محلها، لأن هذه المناقصة استقطبت أكثر من سبع شركات أجنبية للمشاركة فيها، خلافاً لما يحصل في عقود النفايات التي أقيمت بلا مناقصات بل وفق عقود بالتراضي. فالتأجيل بات يرتّب أكلافاً واسعة على العارضين، إذ بدأت الفائدة القانونية تسري على الكفالات المالية المصدرة من المصارف، فيما بات يجب على الشركات العارضة أن تجدّد الأوراق الضرورية للمشاركة في المناقصة، وهذه المرّة الثانية التي تجدّد فيها، فضلاً عن أن هيئة إدارة السير لم تبلغ الشركات بالتأجيل بعد.