غزة | على رغم عودة الفصائل الفلسطينية إلى غزة لقضاء «إجازة العيد» قبل الذهاب مجدداً إلى العاصمة المصرية القاهرة، فإن الأيام الماضية شهدت تحركات قد تؤدي إلى نقلة «كبيرة» في مسار اتفاق التهدئة الذي يعمل على صياغته جهاز «الاستخبارات العامة» المصرية، وذلك بعد إبلاغ الأخير بموافقة إسرائيلية على غالبية المطالب الفلسطينية، كما تفيد بذلك مصادر مطلعة على المحادثات. والمطالب المشار إليها هي التي كانت تعوّق إتمام الاتفاق (راجع العدد 3545 في 20 آب)، إذ كانت إسرائيل تحاول الحصول على تهدئة من دون ثمن كبير، وتحديداً إنشاء «ممر بحري» من قطاع غزة إلى قبرص، إضافة إلى: ضمان رواتب موظفي غزة بمن فيهم الذين عينتهم حركة «حماس»، وتوسيع مساحة الصيد إلى 20 ميلاً بحرياً بصورة ثابتة، وإنهاء مشكلة الكهرباء المزمنة، وليس أخيراً إعمار البنية التحتية في القطاع.
دور «فتح» في الاتفاق
مع ذلك، لا تزال معضلة إشراك السلطة الفلسطينية في الاتفاق قائمة، نظراً إلى أن تجاوزها قد تترتب عليه إجراءات شبيهة بما اتخذته قبل شهور، وهو ما يعني زيادة أعباء مالية على كاهل الإدارة التي ستشكل لغزة حينئذ، بخاصة لو رفعت السلطة ما تبقى من دعمها لوزارات غزة، الأمر الذي ناقشته «حماس» مع المصريين والوسطاء الدوليين، وقد تعهدوا بإقناع السلطة بالمشاركة في التهدئة مقابل تسلمها القطاع عبر «مصالحة شاملة». وعلى رغم إخبار المصريين «حماس» بأنه في حال رفض رام الله، سيضطرون إلى تجاوزها وإيجاد آلية لتحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة من معابر غزة شهرياً لخدمة القطاعات المتضررة، فإن القاهرة تسعى إلى تلافي هذا السيناريو. ويُقدّر ما يجبيه الاحتلال من معابر القطاع للسلطة (ضرائب المقاصّة) ما بين 50 إلى 80 مليون دولار شهرياً (وفق إحصاءات السنوات الخمس الأخيرة)، وهو ما يسد فرق العجز في حال قررت السلطة فرض مزيد من العقوبات. وبجانب التحفظ المصري، تذكر المصادر أن إسرائيل لديها تحفّظ مشابه على تحويل الأموال التي تجبيها من المعابر إلى الجهة التي ستدير غزة.
سيكون الممر المائي مخصصاً للبضائع لسنوات قبل تشغيله للأفراد


جراء ذلك، لا يزال المصريون يسعون إلى دفع «فتح» للمشاركة في الاتفاق، إذ دعت الاستخبارات المصرية قيادة الحركة لزيارة القاهرة للتباحث في ملفي المصالحة والتهدئة، وهو ما أكده القيادي الفتحاوي، عزام الأحمد، عندما قال إن وفداً من الحركة سيزور مصر بعد عيد الأضحى «لبحث المصالحة الفلسطينية التي اختلطت بالتهدئة». في الوقت نفسه، يتصاعد الهجوم الفتحاوي على اتفاق التهدئة، تحت قاعدة أن تكون المصالحة بوابة للتهدئة وليس العكس، وهي على ما يبدو تراهن على ذلك كي يحقق ضغطاً على «حماس» يدفع الأخيرة إلى التنازل في المصالحة قبل التهدئة، كما يضمن لـ«فتح» ترأس المشهد في التهدئة، لكن هذا الهجوم يصطدم بسقف وجود الراعي المصري الذي لا تسعى الحركة إلى التصويب عليه مباشرة.
في هذا السياق، جاء اجتماع الأسبوع الماضي بين وزير الاستخبارات المصري، عباس كامل، بقيادات من «فتح» أبرزهم جبريل الرجوب وحسين الشيخ، وذلك بعد قدومه من تل أبيب، إذ أخبرهم بـ«موافقة إسرائيل على تثبيت وقف إطلاق النار طبقاً لاتفاق 2014». ووفقاً لمصادر في رام الله، وَضَعَ كامل مسؤولي السلطة في ضوء نتائج زيارته إلى واشنطن (قبل أقل من شهر) التي أعطته الضوء الأخضر لحل الأزمات الإنسانية في غزة، وضرورة التجاوب معها والإشراف على المشاريع الإنسانية كافة التي ستُنفذ بقيمة 650 مليون دولار. وهو ما رد عليه الرجوب باشتراطه تمكين حكومة «الوفاق الوطني» كي تساهم في تنفيذ تلك المشاريع. وتضيف المصادر أن اللقاء، الذي استغرق ساعة ونصف تقريباً في رام الله، انتهى بوعد فتحاوي باستقدام وفد إلى القاهرة الأحد الماضي بعد الانتهاء من دورة «المجلس المركزي»، لكن تأجلت الزيارة إلى ما بعد العيد.

الممر المائي
كانت وفود الفصائل قد انتهت خلال لقاءاتها في القاهرة مطلع الأسبوع الجاري إلى أن الاتفاق بقي على قضيتي فصل ملف الجنود الإسرائيليين عن مجمل الاتفاق، وقضية الممر المائي الذي أصرت عليه باستثناء «فتح»، إذ أعلنت الأخيرة تبنيها مطلبي الميناء والمطار كما فعلت في اتفاق 2014. وعلى رغم الحديث الجديد عن الموافقة الإسرائيلية على قضية الممر، أظهر المسؤولون المصريون أنهم غير متشجعين لفكرة إنشاء ممر يربط غزة بدولة ثالثة، وفضّلوا حل مشكلة التنقل عبر معبر رفح البري أو تدشين ممر مائي مع ميناء بور سعيد.
ووفق المعلومات، وجد مقترح الممر المائي، الذي سيربط غزة بميناء ليماسول في قبرص، فرصة للموافقة الإسرائيلية، علماً أن هذا المقترح كان مطروحاً على طاولة الحكومة الإسرائيلية منذ سنة. ووفق مصادر فلسطينية، أعلمت الأمم المتحدة «حماس» أن إسرائيل موافقة على الممر بشرط تولي جهة أممية المسؤولية الأمنية على الممر، وذلك بعد رفض الحركة شرطاً إسرائيلياً سابقاً يقضي بتولي تل أبيب هذه المسؤولية. لكنّ الموافقة جاءت مشروطة بأن يكون هذا الممر في البداية لنقل البضائع فقط، ثم بعد سنوات يمكن أن يُشغل لتنقل الأفراد.
تفيد المصادر أيضاً بأن المشاريع الإنسانية المقررة لغزة ستبدأ بمنحة من البنك الدولي لتشغيل 440 شخصاً بـ17 مليون دولار، ثم يترافق معها 31 مليون دولار مقدمة من قطر، تضخ بعد إقرار الاتفاق برعاية كاملة من مصر، على أن يبدأ بعد ذلك الخوض في تفاصيل صفقة الأسرى عبر مفاوضات «شبه مباشرة» بين إسرائيل و«حماس» في القاهرة على غرار «صفقة شاليط»، وهي الخطوة الأخيرة في مجمل المحادثات.
في ملف ثانٍ، تفيد مصادر سياسية فلسطينية بأن ضغوطاً مارسها المبعوث الأممي لـ«عملية السلام»، نيكولاي ملادينوف، على رئيس السلطة، محمود عباس، من أجل إرجاع سلام فياض إلى المشهد السياسي عبر ترؤسه لحكومة وحدة وطنية في حال تشكيلها. ووفق المصادر، نصح فياض عباس خلال لقائهما الأخير بـ«الاستجابة للمطالب الدولية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته، تعمل على حل مشكلات موظفي السلطة أو غزة»، لكن عباس رفض ذلك. وفي خطوة استباقية، أخبر أبو مازن أعضاء «المجلس المركزي» برغبته في حل المجلس التشريعي (البرلمان)، إذ تحظى «حماس» فيه بغالبية واسعة، وذلك خلال الدورة التي ستعقد في تشرين الأول المقبل في رام الله، على أن تحوّل صلاحيات «التشريعي» وكذلك «الوطني» إلى «المركزي».
إلى ذلك، نقلت مصادر أن السلطات المصرية قررت فتح معبر رفح بعد غد الأحد عقب إجازة استمرت أسبوعاً كاملاً تسببت في بقاء مئات المسافرين عالقين في أماكن عدة، وسط التماسات قدمتها الفصائل إلى الاستخبارات المصرية عن صعوبة السفر من المعبر والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون داخل صالات السفر وعلى الحواجز التي تنتشر في الطريق إلى القاهرة. واشتكت الفصائل من الإجراءات المشددة على العائدين إلى القطاع، خصوصاً على ضفتي قناة السويس، إذ يستغرق المسافر يومين إلى ثلاثة أيام للعبور من الضفة إلى الأخرى (راجع العدد 3545 في 20 آب)، فيما وعدت القاهرة بوضع تسهيلات قريباً، لكنها طلبت «تفهم الحاجة الأمنية إلى بعض الإجراءات».



«يديعوت»: قادة «فتح» يشكلون ميليشيات في الضفة


قالت مصادر إعلامية عبرية إن «قادة في فتح يُعدون العدة لسيناريوات اليوم التالي لرئيس السلطة محمود عباس، ومن بينها فوضى عارمة». وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في تقرير أمس، أن «قادة كباراً من فتح يجمعون السلاح ويشكلون ميليشيات تتجمع غالبيتها في المخيمات... أربعة قادة بدأوا فعلياً بتشكيل عصابات مسلحة لهذه الغاية، هم: جبريل الرجوب الذي يشغل حالياً منصب رئيس اتحاد كرة القدم، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة ماجد فرج، ونائب رئيس الحركة محمود العالول، وتوفيق الطيراوي الذي شغل سابقاً منصب مدير الاستخبارات خلال الانتفاضة الثانية».