بدعوة من «لجنة المتابعة» و«القائمة العربية المشتركة» في الكنيست (تكتل الأحزاب العربية في أراضي الـ48) نُظّمت، أمس، تظاهرة في «ميدان رابين» في تل أبيب، «ضد قانون القومية». وفيها شارك ما يقارب 30 ألفاً من فلسطينيي الـ48، وكذلك من الإسرائيليين اليهود، الذين يعتبرون انفسهم «يساراً إسرائيلياً». التظاهرة حظيت بكثير من الانتقاد والإدانة، فضلاً عن كونها لم تحقّق أدنى أهدافها، إضافة إلى أنها «خدمت الدولة العبرية داخلياً وخارجياً»، كما قال معارضو تنظيمها داخل «ساحة رابين». غالبية من تظاهر لا تعبّر بالضبط عن موقف كل فلسطينيي الـ48؛ إذ إن كُثراً ممن يشاركون عادة في النضالات السياسية الحقيقية، لم يجدوا في تظاهرة أمس ما يمثلهم، فغابوا عنها... أين هم اليوم؟
«أم التظاهرات»: لب المشروع السياسي الفاشل
من خططا لهذه التظاهرة، هما الإطاران السياسيان المشروعان (بالمعنى الإسرائيلي للكلمة) داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أي «لجنة المتابعة العربية في الداخل»، والأحزاب العربية في الكنيست (القائمة العربية المشتركة التي تضم أربعة أحزاب). وهي «التجمع الوطني الديموقراطي»، و«الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ــ الحزب الشيوعي الإسرائيلي»، و«الحركة العربية للتغيير»، و«الحركة الإسلامية ــ الشق الجنوبي». ما هو مشروع هؤلاء؟ ببساطة، نضال كل هذه الحركات مشتق من مفهوم المواطنة وطروحات المساواة، فيما يتناسق بوضوح طرح بعضها مع مفهوم الشراكة مع المواطنين اليهود، و«العيش المشترك».
وبرغم من أن «التجمع»، مثلاً، كان يطرح في أوراقه الداخلية شعار «هوية قومية مواطنة كاملة» على أساس أن الحقوق التي يحصل عليها الفلسطينيون من الدولة التي احتلتهم هي ليست منّة من أحد، بل هي مشتقه من كونهم سكان أصليين بقوا في أرضهم، وبرغم أن هويتهم الفلسطينية لا يمكن هذه المواطنة الكاملة أن تلغيها، فإنهم شاركوا في التظاهرة لأنهم، كما أوضح مصدر «تجمّعي» لـ«الأخبار»، «جزء من لجنة المتابعة، ومشاركتهم كانت تعبيراً عن رفضهم لقرار اللجنة عدم رفع علم فلسطين. وأنهم في النهاية غير راضين عن هذه التظاهرة مطلقاً... لكنهم عاتبون على قيادتهم».
وفي ضوء ذلك، فإن الأسلوب الذي اختاره منظمو التظاهرة لمواجهة القانون أسلوب يُشتق من توجهاتهم السياسية وقناعاتهم غير الوطنية. إذاً، ليس من الغريب أن تكون تل أبيب (فضاء الاحتجاج الإسرائيلي) مكاناً لاحتجاجهم، فهم يرون أنفسهم هناك، وضمن السقف الذي تضعه إسرائيل. ولذلك أيضاً، ليس غريباً أن «القيادات» السياسية لم تطالب في تظاهرتها بإسقاط «قانون القومية اليهودية» فعلياً. فمثلاً، لم يضع المنظمون شعارات ضد يهودية الدولة، بل دعت لجنة المتابعة زعماء ما يسمى «اليسار الإسرائيلي» إلى مشاركة الذين هم ليسوا ضد يهودية الدولة. وقد لبّى الدعوة يهود كُثر. كذلك، وجهت دعوة إلى زعيمة «المعارضة الإسرائيلية»، تسيبي ليفني، التي كان واحدة من القيادات الإسرائيلية الفاشلة التي قادت الحرب على لبنان عام 2006 (رفضت الدعوة في النهاية، لأن توجهاتها أساساً لا تختلف عن توجهات اليمين الإسرائيلي).
كذلك، لم يضع المنظمون شعارات تطالب بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهو الحق الذي يلغيه «قانون القومية»، كذلك لم تضع شعارات ضد «عودة اليهود» التي يطالب فيها القانون في بنده الخامس! فلماذا ذهب هؤلاء للتظاهر؟ وضد ماذا؟ وما معنى خطوتهم تلك؟ ما فعلوه، أمس، يوضح حجم الكارثة التي يقودونها، ويرسمون من خلالها معالم المستقبل الذي إليه يجرّون شعبهم.

«خطوة الألف ميل» تبدأ من جديد؟
لا شك في أن ما حصل أمس قد رسم مشهداً مظلماً وسوداوياً عن الحالة السياسية في الداخل. مع ذلك، فإن في قلب فلسطين المحتلّة هناك حركتين سياسيتين جذريتين، تطرحان بديلاً آخر، وهما أساساً لا تتفقان مع نهج المشاركة في الكنيست، وتقاطعان الانتخابات الإسرائيلية من مبدأ أن الكنيست هو أساس بلاء الشعب الفلسطيني في الداخل، وهو الذي يسن ضده، كل يوم، قوانين إلغائية.
ترى حركة «كفاح» أن النضال الفلسطيني في الداخل ليس «قضية حقوق ومواطنة»، بل هو جزء من «نضال كل الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة والقوى القومية العربية». وفي بيانها الذي أطلقته ضد المشاركة في تظاهرة تل أبيب، اعتبرت أنه «لم يكن يوماً صراعنا مع الدولة ونضالنا فيها حالة من المطالبة بالحقوق المدنية المشتقة من المواطنة في دولة ديموقراطية؛ بل إننا السكان الأصليّون في هذه البلاد، وأصحاب الحق، وبقاؤنا في أرضنا منزوع من قلب الصهيونية وعيونها، رغم كل محاولات أسرلتنا». لذلك، فهي لم تشارك لأنها «لن تقبل حَرف بوصلة النضال، من نضال وطني واضح لنضال تحت سقف وحيطان الدولة وكمواطنين فيها».
أمّا «أبناء البلد»، فقد أطلقت هي الأخرى بياناً مطولاً يدين هذه المشاركة، معتبرةً أن مصيرها مرتبط مع شعبها، وأنها لذلك «لن تشارك في مسرحيات استعراضية تخدم الدولة اليهودية».
وفي حديثه لـ«الأخبار»، كشف عضو المكتب السياسي في «أبناء البلد»، لؤي خطيب، عن أن «الحركة بدأت بإجراء اتصالات مكثفه مع كل القوى والشخصيات الوطنية في الداخل من أجل إنشاء جبهة وطنية موحّدة للعمل».
الخطوة أتت، كما أوضح خطيب، بعدما «أصبحت هناك حاجة ماسّة للفصل والحسم بين التوجهين الرئيسين داخل الـ٤٨؛ حيث هناك من يريد الاندماج والانخراط في مشاريع المواطنة والحفاظ على امتيازات الهوية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته أن يسوّق نفسه كصاحب مشروع قومي ووطني أو آخر إسلامي». وأضاف أنه منذ احتلال فلسطين «لا تخجل بعض القوى السياسية في الداخل من أن تعتبر المساواة برنامجاً استراتيجياً... وهذه الأُطر، من خلال برامجها التسطيحية، استطاعت أن تُدجن بعض أبناء شعبنا وتخفض سقفها السياسي تحت مسميات بائسة منهزمة، وقد نجحت في أغلب الأحيان في أن تسيطر على ملامح المشهد».
ولأجل ذلك، أدركت «أبناء البلد»، بحسب خطيب، أنه «يجب عليها تنظيم جبهة وطنية لمن يعتبر إسرائيل احتلالاً على أرض فلسطين كُلها، وأن ما يحصل في غزة والضفة لا ينفصل عما يحصل في حيفا». وأضاف أنه «بدأت الحركة بالاتصال بالأجسام المختلفة للشروع بهذا التحرك، وستكون في الأسابيع القادمة، ولادة لأطار ضمن هذه الرؤية التي تضمن محور الهوية الفلسطنية دون رتوش المواطنة».