ملفات وزارة الصحة تبدأ ولا تنتهي. هي مغارة علي بابا. بعضها موروث، وبعضها مدموغ «بوزير صحتنا وحياتنا» الحالي. اليوم، يستمع النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم إلى إفادة المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار، بعد أن كان قد استمع قبل أيام قليلة إلى إفادة مستشارين لوزير الصحة غسان حاصباني، بناءً على سلسلة تحقيقات استقصائية، أجرتها «الأخبار»، مدعمة بالوثائق الرسمية. هذه عيِّنة جديدة من هدر المال في المستشفيات الحكومية، نبدأها من مستشفى صيدا الحكومي.«السقوف المالية لا تحلّ مشكلة المستشفيات الحكومية (...) نحن نحسن أداءها ونزيد مداخيلها المادية (...) بهذه الطريقة نساعد المستشفيات الحكومية وليس بزيادة السقف المالي ليتم هدره بطريقة ما». الكلام لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني في مقابلة مع «المسيرة» في حزيران الماضي. ولكن عوض انكبابه على مكافحة الهدر في المستشفيات الحكومية، قرر المشاركة فيه وقوننته... ومستشفى صيدا الحكومي نموذج. في ما يأتي بعض المخالفات والفضائح المالية التي تظهر استغلال للسلطة بمعرفة وزارة الصحة التي يفترض أن تكون وصية على المستشفى وتسهر على تطبيق القوانين فيه لا تشريعها:
تعيين الطبيب أحمد الصمدي مديراً ورئيساً لمجلس الإدارة، علماً أنه لا يستوفي شروط الوظيفة وتعيينه مخالف للقوانين والأنظمة. كذلك فإنه تخطى استطلاع رأي مجلس الخدمة المدنية وفق الأصول. رغم ذلك، أرسل حاصباني اقتراح تعيين الصمدي إلى مجلس الوزراء، حيث عُيِّن بملحق استثنائي قبيل الانتخابات النيابية. زد على ذلك، وافق وزير الصحة على قيام الصمدي بأعمال طبية داخل المستشفى خلافاً للقانون الذي يحظر على المدير أعمالاً كهذه، وذلك استناداً إلى المادة 8 من المرسوم 5559 التي تمنع المدير من القيام بأي عمل طبي مأجور. وبذلك، أتيح للصمدي ضمناً استغلال السلطة، بما فيها احتكار الأعمال الطبية لحسابه. وتظهر السجلات ارتفاع إيراداته من 85 مليون ليرة في عام 2014 (كان يشغل منصب طبيب معالج فقط) إلى 133 مليون ليرة في عام 2017 عندما ابتدع له منصب «رئيس لجنة إدارية» قبل أن يعيَّن مديراً للمستشفى.
وافق حاصباني وفقاً للكتاب رقم 18/1/12030 الصادر عنه بتاريخ 10 أيار 2018 بتكليف (ق. ت.) بمهمات رئيس قسم المحاسبة العامة، و(أ.ب.) بمهمات رئاسة القسم الإداري خلافاً للقانون، وذلك بناءً على طلب اللجنة الإدارية تكليفهما هاتين المهمتين. فالأخيران يعملان بموجب عقد شراء للخدمات، فيما يفترض وفق القانون أن يكونا قد اجتازا امتحانات مجلس الخدمة المدنية.
تقسم فاتورة المرضى الطبية بين المستشفى والطبيب، حيث يفترض أن يحظى الطبيب بنسبة معينة من المبلغ المدفوع. إلا أنه في مستشفى صيدا الحكومي، تتجاوز أتعاب مدير المستشفى أحمد الصمدي نسبة 170% (علماً أنه لا يحق له القيام بأي عمل طبي مأجور) فيما تخفض أتعاب المستشفى إلى 50%.
لجنة المشتريات قدمت استقالتها بسبب إلزامها بتوقيع فواتير بعد وصول البضاعة دون الرجوع إليها مسبقاً


تقوم الطبيبة (ر.ع.) المتعاقدة مع قسم الصحة في سرايا صيدا الحكومية، بأعمال طبية في مستشفى صيدا الحكومي خلافاً للقانون، لمدة يومين في الأسبوع، وذلك على مرأى ومعرفة من إدارة المستشفى والوزارة وبتغطية من رئيسها الذي يشغل أيضاً منصب مفوض الحكومة في المستشفى. وبلغت مستحقاتها التي لم تقبضها بعد من المستشفى في نهاية عام 2017 نحو 121 مليون ليرة، تضاف إلى المبالغ التي تقاضتها على مدى أكثر من 10 سنوات. وما زالت (ر.ع.) تزاول الأعمال الطبية نفسها حتى الآن. كان يفترض بوزارة الصحة معاقبتها استناداً إلى التقرير الشامل الصادر عن رئيسة دائرة الرقابة عن المستشفيات الحكومية السابقة في الوزارة، الذي حُوِّل إلى حاصباني من دون أن يتخذ أي إجراء بحقها. وسرعان ما كوفئت بتكليفها رئاسة قسم الصحة في السرايا بموجب قرار أصدره وزير الصحة حمل الرقم 711 بتاريخ 17 نيسان 2018. طبعاً لم يلحظ القرار أنه لا يمكن الموظف المتعاقد أن يكلَّف مهمات رئاسة القسم. وتجدر الإشارة إلى أن التفتيش المركزي على علم أيضاً بهذه المخالفة المدرجة في تقرير المفتشة المالية، لكن الملف لا يزال قابعاً في أدراج التفتيش المركزي منذ نحو عام.
يبلغ عجز مستشفى صيدا الحكومي نحو 17 مليار ليرة. ومن أجل مضاعفة العجز، وافق حاصباني على طلب إدارة المستشفى حسم فروقات الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة لعائلات وأهالي المستخدمين والعاملين في المستشفى. علماً أن معظم عقود هؤلاء هي عقود شراء خدمات، فكيف بالموافقة على الحسم الذي يؤدي إلى مراكمة العجز فوق العجز. وقد سبق لوزارة المالية أن رفضت في عهود سابقة تطبيق هذه الحسومات لتحقيق التوازن المالي ما بين الإيرادات والنفقات.
عينت وزارة الصحة منذ فترة وجيزة، السيد (ح.ع.) مفوضاً للحكومة في مستشفى صيدا، علماً أنه سيبلغ السن القانونية في 11 آب 2018 المقبل. الأخير طبيب متعاقد مع وزارة الصحة، وبالتالي لا يمكنه شغل هذا المنصب، لأن القانون يشترط أن يكون من عداد موظفي وزارة الصحة، وأن يكون من الفئة الثالثة على الأقل، وأن يُعيَّن لمدة ثلاث سنوات، بينما عُيِّن لثلاثة أشهر!
أصدرت إدارة مستشفى صيدا قراراً بفصل الموظفة (ن.ص.) في قسم محاسبة الأطباء، وذلك بعد إبلاغها النيابة العامة المالية والتفتيش المركزي ببعض المخالفات التي تجري في المستشفى من منطلق الحفاظ على المال العام. على الأثر، طلب التفتيش المركزي من الوزارة إعادتها إلى منصبها وتنبيه مدير المستشفى إلى ضرورة احترام القوانين من دون جدوى. كذلك اتُّخِذَت إجراءات بحق الموظف في قسم المحاسبة العامة (م.د.) للأسباب عينها، وحسمت الإدارة 10 أيام من راتبه الشهري بعد وقفه احترازياً ونقله من وظيفة المحاسبة العامة إلى قسم محاسبة المرضى غير الموجود أصلاً! وصودِر مكتبه وجهاز الحاسوب الخاص به لمنعه من «الوصول إلى أي مستندات تدين الإدارة».
تجري عمليات شراء طوابع في المستشفى من دون أي إيصال يثبت عملية الشراء وقيمة الطوابع، وأحياناً لا تطابق قيمتها المبلغ المصروف.
يجري صرف بعض سلف المشتريات على مسؤولية مدير المستشفى (وأحياناً بخط اليد، مرفقة بعبارة على مسؤولية أحمد الصمدي)، والسبب عدم تطابق الفواتير الرسمية والمبالغ المصروفة التي غالباً ما تكون أكبر من الفواتير الرسمية، لذلك يوقعها الصمدي على مسؤوليته. وهو ما حدا لجنة المشتريات إلى تقديم استقالتها بسبب إلزامها بتوقيع فواتير بعد وصول البضاعة ومن دون الرجوع إليها مسبقاً في مرحلة طلبات الشراء. ولأن «عروض الأسعار في قسم المشتريات معظمها قديم ويزيد على السنة»، فيما «لا توجد آلية تخريج بضائع في معظم الأقسام وعدم وجود لجنة استلام فاعلة ولا لجنة مناقصات وفض عروض ما يخالف القوانين المرعية الاجراء ويتم شراء نفس البضائع من مصادر مختلفة»، كما جاء في بيان الإستقالة الجماعية للجنة المشتريات بتاريخ 14 كانون الأول 2017.
يقدم بعض الأطباء تبرعات لمستشفى صيدا بمبالغ زهيدة مقابل تستر المستشفى عن عمليات تجميل يجريها هؤلاء على حساب وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي تحت عنوان طبي. علماً أن أي تبرعات تصل إلى المستشفى أو أي مؤسسة عامة بحاجة لموافقة الوزير حتى تتمكن الإدارة من تسلُّمها، وبالتالي تحديد وجهة استخدامها.
يجري أمين الصندوق في المستشفى مرتجعات مالية للمرضى بصورة عشوائية، إن من ناحية المرتجعات التي تحمل نفس الرقم ولكن بأسماء مختلفة أو من ناحية المرتجعات لمرضى يعود تاريخها إلى سنوات سابقة.
وصلت إلى المستشفى بلاغات عن محاولة بيع معدات طبية، فما كان من الإدارة إلا التكتم على الموضوع وفصل أحد الموظفين دون إحالته على التحقيق لمعرفة شركائه. وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، فقد باع المستشفى أفلام الأشعة خلال عام 2017 من دون وجود لجنة تلف، ومن دون أخذ موافقة وزير الصحة. وقد جرت العادة بعد استعمال فيلم الأشعة، بأن تجري أرشفة القسم المستعمل منه، فيما تتلف بعض الأجزاء بعد أخذ موافقة لجنة التلف التي تشكلها وزارة الصحة.
أدرج أحد أعضاء اللجنة الإدارية، الدكتور (أ.م.)، فواتير بعض المرضى على حسابه الخاص من دون تسديد المبالغ المتوجبة عليه، ما سبّب عجزاً إضافياً وهدراً للأموال التي من المفترض أن تدخل إلى إيرادات المستشفى.
يتخلف المستشفى عن دفع مستحقات الموظفين الذين يغادرونه، وأبرزهم السيدة (م.ز.) التي لم تُدفع مستحقاتها حتى الآن رغم تركها المستشفى منذ نحو عامين. لذلك، تقدمت بشكوى إلى سرايا صيدا في هذا الموضوع، وقد علمت «الأخبار» أن وزارة العمل أرسلت بطلب مدير المستشفى لهذه الغاية، ويفترض أن يلبي الدعوة اليوم، إلا إذا قرر التذرع بعذر ما لتفادي الحضور.
رغم نجاح البعض في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، تمتنع إدارة المستشفى عن استدعائهم لتوظيفهم. في المقابل، يُتعاقَد مع عمال شراء خدمات للقيام بوظائفهم.
رغم نصّ القانون الواضح بخصوص عدم قيام أعضاء مجلس الإدارة بأي عمل طبي داخل المستشفى، يُجري أحد الأعضاء، الدكتور (ر.ك.) استشارات طبية للمرضى، وهو يتذرع بأن الاستثناء المطبَّق على مدير المستشفى يسري عليه.