بعد شهور من إعلان تشكيله (أمضاها بلا فاعليّة)، سجّل تنظيم «حرّاس الدين» أخيراً نشاطات بارزة في إطار سعيه إلى تسيّد «المشهد الجهادي». التنظيم الذي أُنشئ ليكون ممثّلاً رسميّاً لتنظيم «القاعدة» في سوريا حصل أخيراً على تمويلات كبيرة مع وعود بـ«مضاعفتها بما يتناسب مع نشاطه»، وأفلح في استقطاب شرائح مختلفة من «الجهاديين» من سوريين وجنسيّات أخرى، تضمّنت في ما تضمنّته الأويغور الصينيين.يستعدّ تنظيم «حرّاس الدين» القاعدي لأداء دور أشدّ فاعليّةً في المرحلة القادمة. التنظيم الذي أنُشئ ليكون ممثلاً جديداً لـ«تنظيم القاعدة» في سوريا أفلح في خلال الشهور الأخيرة بزيادة عديد منتسبيه من السوريين، إضافة إلى تمكنه من استقطاب دفعات جديدة من «المهاجرين» («الجهاديين» غير السوريين) وسط «الفوضى الجهاديّة» التي هيمنت على إدلب.
ورغم أنّ تشكيل التنظيم المتطرّف يعود إلى شهر شباط الماضي، فإنّ الشهر الحالي يبدو مؤهّلاً ليشهد «ولادة جديدة» له. وتشير معلومات حصلت عليها «الأخبار» من كواليس «الجهاديين» في إدلب إلى أنّ «حرّاس الدين» قد «استكمل هيكلة نفسه وهو على استعدادٍ لملء الفراغ الذي خلّفته خلافات الفصائل في الساحة الجهاديّة». ويؤكد مصدر «جهادي» أنّ «عمليّات الإغارة التي نفّذها حراس الدين منذ تشكيله لم تكن إلا جزءاً من النشاط التأسيسي».
وكان حضور التنظيم المتطرّف في المشهد العسكري قد اقتصر حتى شهر حزيران الماضي على هجمات موضعيّة خاطفة متفرّقة شنّها في ريف اللاذقية الشمالي، وريف حلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي. أما «العلامة الفارقة» في مسيرة التنظيم، فكانت مطلع الشهر الحالي مع الهجوم الذي نفّذه في ريف حماة الشمالي، واستهدف تل بزام الاستراتيجي (شمال صوران). ولا تنبع أهميّة الهجوم من حجمه ولا نتائجه (لم يُحدث تغييراً في خريطة السيطرة) بقدر ما تنبع من كونه «بروفة» تهدف إلى اختبار «انضباط عناصر التنظيم وانسجامهم مع قيادتهم العسكريّة».
وعلاوة على الإشارة اللافتة التي مثّلها انطلاق الهجوم المذكور من مناطق تضمّ «نقاط مراقبة» تركيّة، فإنّ العمليّة كانت «الأولى التي تجري تحت قيادة واضحة صريحة للجناح الأردني في التنظيم» وفقاً لتأكيدات مصادر «الأخبار». وتوضح المصادر أنّ التنظيم «أفلح أخيراً في الحصول على دعمٍ مالي كبير، مع وعد بتوسيع هذا الدعم بما يتناسب مع حجم العمليّات المستقبليّة وازدياد عديد المجاهدين المشاركين فيها، وتوسّع قاعدة التنظيم».
ومن المرجّح أن مصدر الاعتمادات الماليّة المذكورة هو «غرفة» جديدة استحدثها التيار السلفيّ في الكويت بغية إعادة إحياء النشاط «القاعدي» في سوريا. وكان تنظيم «حرّاس الدين» قد أنشئ على خلفيّة الشقاق الذي استفحل بين «جبهة النصرة» والتنظيم الأم («القاعدة») والذي أدى إلى «طلاق جهادي» بينهما.
المرحلة المقبلة ستشهد نشاطاً علنيّاً لـ«قادة الظل» في التنظيم


وكان التنظيم حريصاً في المرحلة الأولى على إظهار «الوجه السوري» عبر إسناد منصب «القائد العام» لأبو همام الشامي («القائد العسكري العام» السابق لـ «النصرة» سمير حجازي)، غير أنّ هذا التوجّه لم يعد صالحاً للمرحلة القادمة التي يطمح فيها التنظيم إلى «تسيّد المشهد الجهادي»، واستقطاب أكبر عدد ممكن من «المهاجرين» إلى صفوفه.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد نشاطاً علنيّاً لـ«قادة الظل» في التنظيم المتطرّف، مع احتمال المجاهرة بحقيقة المناصب والمهمات التي يشغلها «القاعديّون» غير السوريين فيه. ويضم «حرّاس الدين» عدداً من الوجوه «القاعديّة» البارزة، ومعظمهم محسوبون على «التيّار الأردني».
يبرز من هؤلاء أبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي) وأبو خديجة الأردني (بلال خريسات)، وسامي العريدي («الشرعي العام» السابق لـ«النصرة»)، إضافة إلى أبو القسّام الأردني (خالد مصطفى العاروري).
ويُعدّ الأخير أحد القادة «التاريخيين» في تنظيم «القاعدة»، وكان في مرحلة من المراحل مساعداً لأبو مصعب الزرقاوي. ووفقاً للمصادر «الجهاديّة»، فإنّ العاروري واحد من «جهاديين» أُطلق سراحهم من السجون الإيرانيّة في عام 2015 في إطار صفقة تبادل مع «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة». ومن المؤكّد أن الأربعة المذكورين أعضاء بارزون في «مجلس شورى حرّاس الدين». وتذهب معلومات لم يجرِ التثبّت من دقّتها إلى أنّ «مجلس الشورى» يضمّ أيضاً «القاعدي» المصري الشهير سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان)، وهو أبرز من أُطلق سراحه في الصفقة المذكورة. وكان زيدان قد تولّى مسؤوليّة «الإشراف على تنظيم القاعدة» في الفترة التي فصلت بين مقتل زعيمه السابق أسامة بن لادن، و«مبايعة» زعيمه الحالي أيمن الظواهري. وإذا صحّت هذه المعلومات، فالمرجّح أنّ زيدان يؤدي دوراً أكبر من «مجلس الشورى» وأقرب إلى الزعامة الفعليّة لـ«حرّاس الدين».
ويبدو جليّاً أنّ الثقل «الرمزي» الذي تحظى به الأسماء المذكورة قد أدى دوراً أساسيّاً في استقطاب «جهاديين» من مختلف الجنسيّات إلى صفوف التنظيم الوليد. وأسهمت «الفوضى الجهاديّة» التي تعصف بإدلب والاقتتالات المستمرّة بين مختلف تنظيماتها «الجهاديّة» في قدرة «حرّاس الدين» على التحول إلى وجهة جديدة لمعظم «الجهاديين» الراغبين في «اعتزال الفتنة». وكان التنظيم قد أقرّ إبّان تشكيله «ورقة مبادئ جهاديّة» جاء على رأسها «عدم الخوض في أي فتنة داخليّة»، وأُرفقت نسخة عن الورقة المذكورة مع «صك مبايعة» أرسله قادة التنظيم إلى أيمن الظواهري.
وكان «حرّاس الدين» قد عمل أول تأسيسه على استقطاب «بيعات» جماعيّة من مجموعات صغيرة، قبل أن يعلن تحالفه مع بقايا تنظيم «جند الأقصى».
وتؤكد معلومات دقيقة حصلت عليها «الأخبار» أن «حراس الدين» قد أفلح في خلال الشهرين الأخيرين في استقطاب عشرات «الجهاديين» التركستان، من المنشقّين عن «الحزب الإسلامي التركستاني» الرافضين لتحالف الأخير مع «جبهة النصرة».
وثّمة معلومات مثيرة للانتباه ينقلها مصدر مطّلع على كواليس «جبهة النصرة» لـ«الأخبار»، مفادها أنّ «أبو محمد الجولاني من أشد المتحمسين لتضخم دور حرّاس الدين المطّرد». يوضح المصدر أنّ للجولاني «مصلحة أكيدة في بروز حراس الدين على الساحة، وتحوّله تدريجاً إلى جهة تحمل الإرث القاعدي في سوريا، وتكرّس الافتراق بين النصرة والقاعدة».
ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّ «فكرة الجولاني تقوم على أنّ تمدّد حراس الدين سيكون كفيلاً بتحوله إلى جاذب لأي هجوم دولي يشنّ في إدلب تحت عنوان محاربة الإرهاب».



الطوباسي: «جهادنا» في درعا بدأ عام 2011


في خطوة لافتة وجّه القيادي في تنظيم «حرّاس الدين» أبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي) كلمة صوتيّة قبل أيام تناولت تطورات الأحداث في درعا. وتكمن أهميّة الخطوة في أنّ الطوباسي لم يكن حتى وقت قريب على قائمة «القادة الجهاديين» أصحاب النشاط الإعلامي. وتتزامن كلمة الطوباسي مع النشاط المتزايد لتنظيم «حرّاس الدين» واستعداد «قيادة الظل» فيه لأداء أدوار علنيّة في المرحلة المقبلة. ولم تخرج كلمة الطوباسي المذكورة عن إطار «إلهاب حماسة المجاهدين في درعا» وحثّهم على الصمود. أما أبرز ما تضمنّته الكلمة، فإقرار الطوباسي بأنّ «الجهاد القاعدي» كان قد انطلق في درعا في عام 2011 «بعدد قليل من المجاهدين». ويعدّ الطوباسي من أبرز الوجوه «القاعديّة» التي وفدت إلى سوريا في مرحلة مبكرة. وساهم في تشكيل «جبهة النصرة» وشغل مناصب عدّة فيها مثل «الأمير العسكري لدرعا» و«أمير النصرة في الساحل». وأعلن الطوباسي انشقاقه عن «النصرة» في آب 2016 على خلفيّة إعلان الجولاني «فك الارتباط مع القاعدة». والطوباسي أحد «رفاق الزرقاوي»، ومن أبرز «المجاهدين» إلى جواره في العراق، ويرتبط بعلاقة مصاهرة معه. وكان قد دخل إلى عوالم «الجهاد» عبر البوابة الأفغانيّة.