بغداد | منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، أجمعت قراءات خريطة المقاعد النيابية على استحالة التحالف بين زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، والأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العامري. تقارب من هذا النوع كان أشبه بخطوة بروتوكولية، خصوصاً بعد زيارة الصدر لبغداد، ولقائه معظم قادة القوى السياسية، باستثناء غريمه نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي. إعلان أمس، جاء بمثابة قنبلة سياسية ثقيلة الوقع على حلفاء طهران وخصومها في آن واحد، ليصف البعض ما جرى في كواليس اللعبة السياسية خلال الساعات الأخيرة بمقولة: «كلام الليل يمحوه النهار». حلّ العامري ضيفاً على الصدر في مدينة النجف، حيث خرج الرجلان بمؤتمر صحافي مشترك، أعلن فيه الأخير دخول «تحالف الفتح مع سائرون في الفضاء الوطني»، ليضاف المكوّن الجديد إلى التحالف الثلاثي بين «سائرون» و«تيار الحكمة» و«ائتلاف الوطنية»، على الرغم من ضبابية موقف إياد علاوي إزاء هذا الائتلاف، ورفضه توصيفه بالتحالف، ودعواته المتكررة إلى إعادة إجراء الانتخابات. وقال الصدر إن «الحكومة الجديدة ستكون شاملة، تضمّ جميع الكتل الوطنية»، لافتاً إلى أن «موقف التيّار من حريق مخازن المفوضية سيعلَن بعد النتائج».
وفيما تطرق العامري في تصريحه إلى مسألة العدّ والفرز اليدوي، وحَصَر موافقته عليها بشرط أن تكون نسبتها «5 أو 10%»، أشار الناطق الرسمي لـ«الفتح»، أحمد الأسدي، إلى «أننا مع (سائرون) شكّلنا نواة الكتلة الأكبر»، داعياً الكتل الفائزة إلى المشاركة في هذا التحالف «وفق برنامج حكومي يُتفق عليه يكون مناسباً لمواجهة التحديات والأزمات التي يمرّ بها العراق في هذه المرحلة والمراحل القادمة»، علماً أنه ــ استناداً إلى عدد المقاعد الفائزة ــ يضمّ التحالف الجديد 120 نائباً (54 «سائرون»، 47 «الفتح»، 19 «الحكمة»)، ما يعني أنه بحاجة إلى 45 نائباً حتى يتمكنوا من تشكيل الحكومة، وهو ما يمكن تأمينه بواسطة تحالفات مع قوى «سنية» وكردية.
يطرح التحالف الجديد تساؤلات عن مستقبل كتلة «الفتح»


وفق معلومات «الأخبار»، فإن توجهاً إيرانياً مفاجئاً بضرورة «استيعاب انتصار الصدر» أدّى إلى إعلان هذا التحالف، بعدما جرى في الأروقة السياسية حديث عن نية طهران تقويض انتصار الصدر، وتشكيل «الكتلة الأكبر» من دونه، وهو ما لمّح إليه الصدر بإعلانه استعداده للانتقال إلى صفوف «المعارضة»، في حال تشكيل أغلبية نيابية من دونه، تنبثق منها حكومة بـ«رعاية إقليمية». صباح أمس، رتّب قائد «قوة القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، قاسم سليماني، لقاء الصدر ــ العامري، بعدما قرّب وجهات النظر بينهما، على الرغم من أن سليماني نفسه عقد سلسلة اجتماعات ــ منذ وصوله إلى بغداد الأسبوع الماضي ــ بهدف إحياء آمال بعض حلفائه، والعمل على إنشاء تحالف نيابي واسع من القوى «الشيعية» و«السنية» والكردية، يشكل بدوره الحكومة المقبلة. وتضيف المصادر أنّ من «غير المفهوم حتى الآن» سبب تبدّل قناعات طهران التي ترجمها سليماني بالدفع نحو تحالف أكبر كتلتين نيابيتين، غير أن خطوة كهذه تشي بقناعة إيرانية بضرورة استيعاب الصدر وشارعه في مسعىً للحفاظ على وحدة «البيت الشيعي العراقي، والتشديد على أن إيران هي الجهة الراعية»، وإعلام واشنطن والرياض وأنقرة بأن طهران لها «اليد الطولى» في اللعبة السياسية مهما «كانت النتائج، أو علا سقف الهجوم عليها من قبل البعض»، بحسب ما يقول مصدر سياسي عراقي في حديثه إلى «الأخبار».
ويقود هذا التحالف، أيضاً، إلى سؤالين: الأوّل، عن مستقبل «الفتح» وإمكانية انفراط عقده، ولا سيما أن كتلة «عصائب أهل الحق» (15 نائباً) ترفض أي تقارب مع الصدر، إلا أن مصادر «الفتح»، في حديثها إلى «الأخبار» تنفي حدوث أي انشقاق داخلي لأي سبب كان، إذ يحرص «الراعي الإيراني» تماماً على إبقاء «الفتح» كياناً واحداً حتى تشكيل الحكومة المقبلة. أما السؤال الثاني، فيدور في فلك الحكومة المقبلة، وشخص رئيسها وتوجهاته، فهل يكون الرئيس المقبل من خارج «حزب الدعوة الإسلامية»؟ الجواب ــ إلى الآن ــ غير محسوم وفق مصادر عدة، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى ذلك، خصوصاً أن رئيس الوزراء حيدر العبادي لم يحسم حتى اللحظة خياره بالتحالف مع الصدر، علىى الرغم من تقارب وجهات النظر بينهما، لكن اشتراط الصدر على العبادي الاستقالة من حزب «الدعوة» مقابل بقائه رئيساً دفع بالأخير إلى التريث. وعليه، فإن خيارات العبادي تضيق شيئاً فشيئاً، ما قد يدفعه إلى البقاء وحيداً (ويعرّض كتلته للتشظي) أو التحالف مع المالكي، وإعادة إحياء «الدعوة» مجدداً.