بالرغم من الدهشة التي يقدمها في صناعته، إن كان من ناحية الإخراج الرائع أو النص المشوّق أو أداء الممثلين المبهر أو الإنتاج السخي، إلا أنّ صنّاع مسلسل «الهيبة ـــ العودة» لم ينتبهوا لحساسية منطقة بعلبك الهرمل وعقلية أهلها، ولا الى واقع المجتمع اللبناني. فقد فات الشركة المنتجة (الصباح للإعلام) أنّك في لبنان، لا تطلق أسماء على شخصياتك الدرامية يستشف منها انتماء الشخصية الديني. لا يوجد مسلم أو مسيحي في الدراما اللبنانية (ما عدا إنتاجات القنوات الدينية).أسماء الشخصيات دائماً محايدة. إذ لا يجوز أن تكون الشخصية شريرة واسمها «جورج» أو «محمد». الأمر نفسه ينطبق على استعمال لهجة منطقة معينة.
في حالة «الهيبة»، الاعتراض المُسجل هو ليس على الناحية الفنية للعمل أو على القصة. لكن الاعتراض هو على استخدام لهجة منطقة بعلبك الهرمل، والقول بأن الأحداث تجري فيها، رغم اختباء صنّاع العمل وراء الجملة التي تظهر في أول الشارة ويقولون فيها إنّ «الشخصيات والأحداث من نسج الخيال». لكن نفس هذا الخيال سيأخذك الى بعلبك الهرمل عندما تسمع اللهجة البعلبكية. السؤال المهم الذي يطرح: ما الذي سيتغير في بنية المسلسل لو أنّهم لم يستخدموا اللهجة البعلبكية؟ هل كان سينقص من قيمته شيء، ولا سيما أنّ المسلسل عبارة عن مزيج من اللهجات؟ بالإضافة إلى اللهجة السورية، هناك من يحاول أن يتكلم باللهجة البعلبكية من دون أن يوفق، وهناك لهجات عدة تحت سقف بيت واحد، مثال: أخت شاهين تتكلم اللهجة اللبنانية المغناج، بينما شقيقها شاهين (عبدو شاهين) وأمها (ختام اللحام) يتكلمان اللهجة البقاعية!
أما الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فهو مشهد بيت الدعارة والاتجار «بالرقيق الأبيض». من الواضح أنّ صنّاع العمل لا يفهمون حساسية هذه المسألة في العقلية البعلبكية. أولاً، هذه الحادثة لم تحصل في بعلبك بل في جونية. ولم يسجل في كل تاريخ منطقة بعلبك الهرمل حوادث مماثلة، اذ إنّ «العُرض» هناك خط أحمر، فكيف إذا جئت بصاحبة بيت الدعارة وهي تتكلم اللهجة البعلبكية وتتاجر بمن؟؟ بالنازحات السوريات! عجيب هذا الأمر ولماذا؟ وماذا يخدم؟
الأخطر في المسلسل هو تغييب هيبة الدولة، فإذا بها تبدو غائبة أو ضعيفة وهزيلة وعاجزة لا سلطة لها، علماً بأنّ الأمر في المنطقة ليس على هذا النحو، بدليل أنّ كل المرتكبين والمجرمين، يطلق عليهم لقب «طفار» أي يسكنون الجرود خوفاً من إلقاء القبض عليهم.
المهم أنّ النقمة في بعلبك الهرمل ليست على المسلسل كعمل فني، وليست من منطلق عقلية متحجرة لا تتقبل النقد، بل من منطلق فهم أنّ هذا المسلسل مع كل إمكاناته الكبيرة يترك تأثيراً لدى المشاهدين. أتعلمون كم «جبل» يسير في الشوارع الآن ممتشقاً بندقيته الحربية؟
من يقولُ إنّ هذا عمل درامي للتسلية ولا تحمّلوا الأمر أكثر من ذلك، هو على الأرجح ليس ابن المنطقة ولا يهتم لأمرها ولا تعني له شيئاً. هو يستمتع بالمسلسل كما أستمتع أنا بمسلسل عن مدغشقر. والذي يقول إنّ فيلم «العراب» تناول المافيا الإيطالية، لماذا لم تعتبر إيطاليا أنّ هذا الفيلم يمسّها؟ أجيب بأن الأمر مختلف تماماً. فالعراب تناول قصة عائلة معينة ولم يتناول قصة منطقة. ولو أنّ «الهيبة» تحدث عن شخصية معينة، لكان الأمر انتهى هنا، لكنه يتحدث عن منطقة بأكملها لها حدودها المترامية الأطراف وتستخدم للتهريب ولو سمّاها «الهيبة».
قد يقول صنّاع العمل إنّ هذه النقمة هي دليل على قوة المسلسل. نعم المسلسل قوي. ودليل على الحرفة بصناعته. نعم هو كذلك. ولذلك، فإن النقمة كبيرة لما يتركه من تأثير. فلو كان المسلسل سيئاً وغير مشاهَد، لما كانت النقمة بهذا الحجم.
يا عزيزي، نحن في بلد وزارة داخليته تنتج إعلانات تثقيفية تقول فيها «عزيزي المواطن، لا تطلق النار في الهواء، فإنك ستقتل أبرياء». هل هناك دولة في العالم لديها مثل هذه الإعلانات التوعوية؟!
عمَ تتحدثون؟ نحن لا نُقارن بأحد، فرجاءً تفهّم الاعتراض على الشكل الآتي:
نحن ضد إيقاف أي عمل فني إبداعي. نحن نحمل همّ منطقتنا ونحاول أن ننهض بها بشتى الطرق ونحتاج إلى مساعدة لا الى مسلسلات تعيدنا الى ما دون الصفر.
نحن لا دخل لنا بالحرب بين القنوات التلفزيونية، ولسنا مدفوعين منها.
الأمر أبسط من ذلك بكثير: لا تستعملوا اللهجة البعلبكية لأنكم شئتم أو أبيتم تَسِمونَ منطقة بأكملها بسمات البلطجة والمخدرات والزعرنة. وبالتالي تدمرون سياحتها واقتصادها. في بعلبك، هناك مهرجانات بعلبك. في بعلبك سيدة بشوات. في الهرمل نهر العاصي، حيث المنتجعات والرافتينغ. في بعلبك الهرمل، جرت الانتخابات النيابية في جو منافسة كبيرة وانتهت بدون ضربة كف. في بعلبك زراعة ومصانع، في بعلبك مرّ الإرهابيون وفجروا أنفسهم بالقرى (ربما لم يمرّوا بالهيبة، وإلا كان جبل تصدّى لهم حتماً في ظل غياب الدولة) التي نشبّهها بالجبل، إلا أنّ هيبتها في «الهيبة» ازدادت شيباً.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق في الجزء الثالث، لكن من دون اللهجة البعلبكية.

* «الهيبة ـــ العودة»: 22:30 على mtv
21:30 على mbc1
22:00 على «السومرية» و«رؤيا»
* ممثل ومخرج ابن بعلبك الهرمل