وعلى وهج هذه العودة، وقبلَ أيام من انتخاب رئيس لمجلس النواب، لا يزال استيلاد التكتلات النيابية جارياً على قدم وساق. خصوصاً أنها ستكون السبيل الوحيد لحجز المقاعد في الحكومة. الجميع لا يزال في مرحلة درس الخيارات. وأول لقاء جدّي في هذا الإطار سجّله ميقاتي والوزير السابق سليمان فرنجية. سبقه بحث جدي في إمكانية مشاركة كتلة العزم في التكتل النيابي الذي يسعى رئيس تيار المردة إلى تشكيله تحت عنوان «التكتل الوطني المستقل». لكن مصادر في المردة قالت لـ«الأخبار» إن «النقاش لم يفضِ إلى نتيجة إيجابية»، وأن ميقاتي رفض الانضمام إلى تكتّل لا يكون برئاسته. فهو رئيس حكومة سابق، وله شعبية كبيرة في الشمال أدت إلى أن يكون الفائز الأول في دائرته. في كل الأحوال يبدو أن ميقاتي لا يسارع إلى الانضمام إلى أي تكتّل. فهو بحسب أوساطه «سينتظر ليتبيّن مسار تشكيل التكتلات، ويبني على الشيء مقتضاه».
وقبل أيام من موعد جلسة انتخاب مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، تستمر المعركة على منصب نائب رئيس المجلس بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ففي وقت أبلغ الرئيس نبيه برّي رئيس الجمهورية ميشال عون أحقيّة تكتّل «لبنان القوي» باختيار أحد أعضائه لنيابة رئاسة المجلس، وإشاعة أن عضو التكتل النائب إيلي الفرزلي هو الأوفر حظاً، تُصر القوات على طرح النائب أنيس نصار كمرشّح لهذا المقعد. ويسعى كل من الطرفين إلى استمالة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لمصلحة مرشّحه. وفيما أشيعت بعض المعلومات عن دعم يحظى به نصار من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والمستقلين، فمن المؤكّد أن ترشيح الفرزلي سيقطع الطريق على نصار الذي لن يستطيع نيل أكثر من 48 صوتاً.
أول المتضررين من التراجع عن فكرة فصل النيابة عن الوزارة سيكون الحريري
وفي سياق متصل، سُحب خيار مبدأ فصل النيابة عن الوزارة من الواجهة. ففيما كان «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية ميشال عون من الأوائل الذين طرحوا هذا الموضوع، وكان العونيون عرّابي مشروع فصل النيابة عن الوزارة، والذي لم يجِد طريقه إلى الإقرار، علمت «الأخبار» من مصادر عونية أنه «تم التراجع عن هذه الفكرة». فيما علقت مصادر سياسية على الأمر بأن «أول المتضررين سيكون رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث كان ينوي الوقوف وراء التيار الوطني الحر لاستبعاد بعض نوابه عن الحكومة الجديدة».
وفي هذا الإطار، بدأت القوى السياسية تحدّد الحقائب التي ستطالب بها بعد تكليف الحريري ترؤس الحكومة المقبلة. وعلمت «الأخبار» أن التيار الوطني الحر، الذي يقترح المداورة في الحقائب السيادية، بدأ التلميح إلى رغبته في الحصول على وزارة الداخلية. وفي ظل تمسّك الرئيس نبيه بري بوزارة المالية، ورئيس الجمهورية بالخارجية، تبقى وزارة الدفاع الوحيدة القابلة للمقايضة بالداخلية، على رغم أن الأخيرة امبراطورية أمنية وإدارية، فيما لا صلاحيات فعلية لـ«الدفاع». وترى مصادر مستقبلية أن إبقاء الداخلية في يد القوى التي كانت تشكّل سابقاً فريق 14 آذار هو مطلب أميركي وسعودي دائم، تقول مصادر أخرى من الفريق السياسي نفسه إنه من غير المستبعد تخلي الحريري عنها لفريق رئيس الجمهورية.
من جهة أخرى، عقد المكتب السياسي لتيار المستقبل اجتماعه الدوري برئاسة الحريري، واستعرض خلاله مجريات الحراك الانتخابي ونتائجه وتداعياته على المشهد السياسي العام، في موازاة التوقف عند خريطة طريق «تيار المستقبل» للمرحلة المقبلة، سياسياً وتنظيمياً، في ضوء القرارات التنظيمية التي صدرت أخيراً. وقد منح المكتب السياسي الحريري صلاحيات استثنائية لمدة ستة أشهر لاتخاذ الإجراءات والقرارات الملائمة في الشؤون التنظيمية العائدة للمكتب السياسي في إطار تشكيل لجان موقتة في الهيئات والمنسقيات المنحلة، وتعيين أو تجميد أو إعادة تشكيل كافة الهيئات التنظيمية والتنفيذية في التيار، كذلك إحالة الهيئات أو الأعضاء المخالفين إلى هيئة الإشراف والرقابة لاتخاذ القرارات المناسبة في شأنهم. وفي هذا الإطار أكدت مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل لـ«الأخبار» صحة ما نشره موقع «ليبانون فايلز» عن أن الحريري استهل مداخلته في اجتماع المكتب السياسي بالقول: «نادر الحريري ليس فقط أخي، إنه دمي، وقصته لا علاقة لها بموضوع الانتخابات. أما أحمد الحريري فهو أنا»، في رسالة أراد منها الحريري سحب قضية نادر من التداول داخل التيار.