قبل ست سنوات، قرّر المجلس الأعلى للتنظيم المُدني تعديل قرار وزير البيئة السابق أكرم شهّيب المتعلّق بـ «تصنيف مجرى نهر بيروت من المواقع الطبيعية» (رقم 1/130 الصّادر عام 1998)، والذي يقضي بتراجع الإنشاءات 500 متر من منتصف المجرى في الاتجاهين. التعديل تمّ بموجب المحضر الرقم 30 تاريخ 18/7/2012، واستبدل تراجعات الـ 500 متر بالابتعاد عشرين متراً فقط عن حدود مجرى النهر! وإلى التهديد الذي يمثّله ذلك على السلامة البيئية وسلامة المباني، أُثيرت تساؤلات حول خلفية هذا التعديل الذي تقرّر، بشكل فجائي، بعد 14 عاماً. قد يكون الجواب في ما حدث بعد نحو ثلاث سنوات على هذا القرار. فقد قرّر المجلس الأعلى للتنظيم المُدني، بموجب المحضر رقم 32 تاريخ 12/8/2015، استثناء العقارات 901، 912، و678 من مفاعيل قراره الأول. وبفعل هذا الإستثناء، يتم حاليا بناء مُجمّعات سكنية تكاد تبعد أقل من 20 متراً عن حدود مجرى النهر. وتُفيد المعطيات بأنّ ملكية العقارات الثلاثة تعود الى ابن رئيس بلدية الحازمية جان الياس الأسمر.في اتصال مع «الأخبار»، نفى الأسمر وجود أي تعدّيات على مجرى النهر، لافتاً الى أن قرار شهّيب كان يستوجب التعديل لأنه «عشوائي وغير منطقي». فيما برّر المدير العام للمجلس الأعلى للتنظيم المدني الياس الطويل قرار الإستثناء بأنّ العقارات الثلاثة هي «نتاج فرز قديم، لذلك أخرجناها من الدراسة». وأكّد لـ«الأخبار» أن رُخص البناء في تلك المنطقة تُمنح من قبل البلدية، لافتاً الى أن «مصالح البلديات» تعيق الدور «الايجابي» للتنظيم المدني. وأوضح: «قسّمنا مجرى نهر بيروت إلى ثلاث مناطق، وخفّضنا نسبة الاستثمار إلى حوالي النصف في المناطق التي يمكننا أن نتدخّل فيها للحؤول دون إنشاء أبنية سكنية ولعدم التشجيع على الاستثمار فيها، إلّا أن القيامة قامت نتيجة اعتراضات من البلديات على التخفيض لأنّها المستفيد الأول».
التنظيم المدني خفّض مسافة التراجعات عن النهر من 500 متر الى 20 متراً


المشهد الحالي لأبنية قيد الإنشاء في حوض مجرى نهر بيروت يؤكّد تفاقم المخالفات، لكن، على ما يبدو، «الطّاسة ضايعة»، والكل يتقاذف الاتهامات وتحميل المسؤوليات. رئيس جمعية «يازا» زياد عقل يؤكد أن سعر الأرض زاد بعدما أُقيم أول بناء فوقها. و«لأننا في مزرعة لا في دولة»، يتهم بلدية الحازمية والمجلس الأعلى للتنظيم المدني بتأمين التغطية لهذه المخالفات. المدير العام للتنظيم المدني يؤكد أن «تأمين التّراجعات من مسؤولية وزارة الطّاقة والمياه التي من واجبها حماية الأملاك العامّة النهريّة». وفي المقابل، يؤكد مدير مكتب المدير العام للموارد المائية والكهربائيّة مروان سعادة أن لا علاقة للوزارة برسم حدود المجاري المائية. أما رئيس بلدية الحازمية فيفضّل عدم أخذ الاتهامات الموجّهة اليه على محمل الجدّ، ولا ينفي أنّ ابنه وغيره من المستثمرين يقومون بمشاريع بناء حول مجرى النهر، ولكن «ضمن نطاق القانون».
ويُثير التعدّي على مجرى النهر مخاوف من آثاره السلبية على سلامة المباني المُنشأة والطرق من جهة، ومن تداعيات تضييق مجرى النهر من جهة أخرى. بحسب المهندس البيئي في الجامعة الأميركية في بيروت نديم فرج الله، فإنّ قرار تعديل مسافة التراجع فضلا عن الإستثناء «يعنيان أن التعديات على مجرى النهر موجودة»، لافتا إلى الأضرار البيئية التي تُصيب الأنظمة الإيكولوجية حيث تعيش بعض النباتات. كما أنّ تضييق مجرى النهر «يزيد من سرعة الجريان، وبالتالي يزداد التدفق ويؤدي إلى انجرافات وانزلاقات قد تهدد الأبنية المجاورة»، لافتاً الى أن «قلّة احترام المجاري المائية في لبنان أمر بات شائعاً».