في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، يموت ستة أشخاص سنوياً... بالكهرباء. منذ عام 2000، حصد هذا القاتل أكثر من خمسين ضحية. زائر المخيّم لن يحتاج الى البحث عن السبب. أسلاك الكهرباء المتشابكة التي ترتطم بها رؤوس المارة في الزواريب الضيّقة في كثير من الأحيان، وتداخلها مع أنابيب المياه النافرة من الجدران، تُنبئ بحتمية الموت.قبل أسبوع، التصق جسد الطفل السوري عدنان الريحان (11 عاماً) بالحائط بعدما أمسك بأنبوب مياه مكهرب أثناء مروره في زقاق مُستشفى حيفا في المُخيّم. قبل هذه الحادثة بأسابيع، رمت الكهرباء ناشطاً فلسطينياً من الطبقة الأولى أثناء تصويره ــــ للمفارقة ــــ مقطعاً بهدف توعية سكّان المخيم إلى مخاطر أسلاك الكهرباء المُتفلّتة وكيفية تجنّبها!
في اعتصام نفّذه بعض سكّان المُخيم، الجمعة الماضي، احتجاجاً على موت الريحان وعلى تدهور الأوضاع الخدماتية في المخيّم، تقول إحدى المُعتصمات إنّها تُسدّد فاتورة الكهرباء دورياً للجان الشعبية التي تتولى تسديد الفواتير لشركة الكهرباء، وتتمنّى أن تحظى في المقابل باهتمام الشركة او أي جهة معنية لرفع أسلاك الكهرباء الشائكة وفصلها عن تمديدات المياه، «بحيث يُصبح بإمكاني نشر الغسيل على المنشر». غيرها من المعتصمات أكّدن أنهن ينتظرن انقطاع الكهرباء ليقمن بتنظيف منازلهن الصغيرة. أمّا هاجسهن الأكبر فيبقى نجاة أبنائهن يوميا من خطر الموت «الكامن» في جدران المُخيّم.
«لدينا 50 شهيد كهرباء»، يقول الرجل القابض على يافطة تُطالب بـ «قوة أمنية حقيقية من الجميع وللجميع في المُخيّم»، أثناء الإعتصام. ما دخل الأمن بالكهرباء؟
نساء المخيم ينتظرن انقطاع التيار ليقمن بتنظيف منازلهن الصغيرة


يُجمع المعتصمون على الربط بين وجود إدارة مُوحدة تُمسك بأمن المًخيّم وتدرأ عنه خطر الإشتباكات اليومية بين أبنائه، وبين تدهور الخدمات التي تفتك بحيوات قاطنيه.
بحسب المسؤول في «رابطة ترشيحا» في المخيّم، عادل سمارة، مُشكلة الكهرباء «واحدة من المشاكل التي تفتك بأرواح اللاجئين في المُخيّم، بسبب عدم إيلاء الفصائل الفلسطينية أهمية للقطاع الخدماتي»، فيما يرى عضو «اتحاد الروابط والمؤسسات والفعاليات الشبابية»، الشيخ محمد الصالح أنّ «الإختلاف بين الفصائل يؤثّر على الخدمات»، لافتا الى ضرورة تحييد الفصائل الصراعات السياسية وتوحيد جهودها لحماية أكثر من 40 ألف نسمة في المُخيّم.
هذا الرقم يتمسّك به أبناء المُخيّم الذين لا يعترفون بنتائج «التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان» الذي أعدّته «إدارة الإحصاء المركزي» و«الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، العام الماضي، والذي «رصد» وجود 18 ألفاً و351 قاطنا في المُخيم. «نحن أكثر من 40 ألف نسمة نعيش في مخيم مساحته كلم واحد»، تؤكد الناشطة الفلسطينية فاتن ازدحمت، لافتةً إلى «ضرورة التفات الجهات المعنية الى حرمان أهل المُخيم من أبسط حقوقهم في الحياة»، فيما تشكو زميلةً لها من «تضاعف المُشكلات مع النزوح السوري الى المخيّم، بحيث فاق عدد النازحين السوريين أعداد اللاجئين».
في المُخيّم خمس محطات كهرباء: الوزّان، حيفا، صامد، الصاعقة وترشيحا. هي أشبه بـ «تجمعات» أسلاك عشوائية في الهواء. اليأس من الفصائل ومن خلافاتها، لم يبق أمام المهتمين الا خيار الاعتماد على المبادرات الفردية في المُخيّم. ويقول الصالح، في هذا الصدد، إن «اتحاد الروابط الشبابية» تمكّن أخيرا من الحصول على منحة لتمويل مشروع تأهيل محطة الوزان بقيمة 90 ألف دولار، ومن المُقرّر المُباشرة بالمشروع خلال الأيام المُقبلة، آملاً تعميم التجربة على بقية المحطّات.
إلّا أن هناك من يؤكد أنّ أي تحسّن «غير مُرتبط باللجان الأمنية لا يُعوّل عليه»، ليعيد التصويب على مكمن الخلل الأساسي: غياب التنسيق بين الفصائل وفزّاعة الأمن التي يرضخ لها القاطنون في المُخيّم.
«الناس محبطة وما عندها أمل تطالب بشي»، تقول إحدى القاطنات في المخيم، وتضيف: «ليس مطلوباً منهم أن يوحّدوا رأيهم في كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل. ليوحّدوا رأيهم فقط في كيفية إدارة الموت في المُخيّم»!